محمد عبيدو*
قدّمت النجمة الفرنسية من أصل جزائري “رشيدة براكني” كمخرجة للفيلم الروائي الطويل: “اوقات الزيارة” (2016). والفيلم يحكي في 82 دقيقة عن مجموعة نساء يقصدن كل شهر سجناً على أطراف باريس، لزيارة أحبابهن: سواء كانوا أبناء أو آباء أو أخوة أو شركاء.
في أواسط آب/أغسطس، تنتظر فاطمة وابنتها نورا وصديقاتها جوديث ولولا وأورلا وغيرهن، تحت حرارة الصيف الحارقة بانزعاج. يجب على الجميع، خجلين أم منفتحين، شركاء أم أعداء، المرور عبر مراحل عدّة تفصلهم عن غرفة الزيارة. وتنشأ علاقات فيما بينهم، وتنقطع وهم ينتقلون من تفتيش أمني لآخر، وترتخي الألسن ويزداد التوتر حتى ينشب شجار خلف القضبان.
لرشيدة براكني (1977) تجربة مميزة أيضاً في التمثيل، بعد حصولها على ليسانس في التاريخ، قررت تكريس نفسها للمسرح، درست التمثيل المسرحي في “كونسرفاتوار” العاصمة الفرنسية وانضمت إلى “استوديو جان لوي مارتان باربا”، ونجحت حين خسرت كثيرات، في إيجاد مكان لها في مسرح “الكوميدي فرانسيز”.
ارتبط اسمها باسم بطل كرة القدم “
” الذي أُغرم بها وجعلها شريكة حياته منذ 10 سنوات. أنجبت براكني من كانتونا ولداً أسمته أمير، استناداً إلى الجذور العربية التي تتمتع بها الممثلة والتي يعتزّ بها كانتونا. ولم ترغب الفنانة الأربعينية في الابتعاد طويلاً عن عملها عقب الولادة، فسرعان ما انغمست في عمل مسرحي جديد بعنوان “في مواجهة الجنة”. إلا أنها لم تشارك فيه كممثلة مثل العادة ولكن كمخرجة، الأمر الذي تلاءم مع حياتها كأم لأن التمثيل يتطلب جهوداً جسمانية أقوى من الإخراج. وبدل أن يجرّها” كانتونا” الى عالم الرياضة أو العشّ الزوجي، جرّت براكني زوجها الى المسرح، إذ أسندت إليه الدور الذكوري الرئيس في المسرحية. وحوّلت شريك حياتها والأب حديث العهد إلى ممثل مسرحي مبتدئ، من بعد تجربته الدرامية الوحيدة أمام الكاميرا في عام 2009 عندما أسند إليه السينمائي البريطاني “كين لوتش” أحد الأدوار الأساسية في فيلمه “البحث عن إيريك “. اعترف “كانتونا” بأنّها “أصرّت على أن تكون أول من يدير، كانتونا، مسرحياً”.
نالت براكني ثلاث جوائز قيّمة في ميادين فنية مرموقة هي المسرح والسينما. وأول جائزة حصدتها كانت “لوميار” كأحسن ممثلة واعدة منحتها إياها لجنة تحكيم الصحافة الأجنبية في باريس عن فيلم (الفوضى، انتاج 2001) هو فيلم كوميديا- دراما فرنسي من تأليف وإخراج “كولين سيرو”، تلتها جائزة “سيزار” الفرنسية كأفضل عمل شاب في السينما الفرنسية عن فيلم “الشابة لويزا” للمخرجة “فرانسواز شاربيا”، وتؤدي فيه براكني شخصية امرأة ثلاثينية اسمها جميلة تعمل في الحقل القضائي وتعيش حياة مرفهة إلى حد ما، ساعية بشتى الوسائل إلى محو آثار جذورها العربية، بينما تعاني جارتها الفرنسية إيما من الفقر بعد وفاة زوجها وقيامها بتربية طفليهما وحدها. اختارت المخرجة الأسلوب الكوميدي لمعالجة مشكل ازدواجية الثقافة والانتماء، فيروي السيناريو العلاقة التي ستنشأ وتتطور بين جميلة وإيما على رغم الفارق الشاسع بينهما في العقلية وفي مواجهة أمور الحياة.
ثم نالت جائزة “موليير” المسرحية كأجدر ممثلة شابة عن دورها الصعب في مسرحية “روي بلاس” من تأليف “فيكتور هوغو” والمقدمة على خشبة مسرح “لا كوميدي فرنسيز”. الجدير بالذكر أيضاً أن رشيدة أصبحت من الأعضاء الرسميين لدى هذه الفرقة نفسها، المعروفة باختيارها أفرادها تبعاً لتقنية مدروسة ومبنية على التصفيات المتتالية. مثّلت في 62 فيلماً من اخراج أوربيين وعرب مثل: “أندريه تشينيه” في فيلم “بعيدا” العام 2001، والمخرج “جان لويس لوكونت” في فيلم “صورة خفية” 2003، والمخرج “هانس ستور” في فيلم “يوم واحد في اوروبا” 2005، والمخرج “ريجيس فارنيه” في فيلم “الخط المستقيم” 2011، والمخرجة “ياسمين قصاري” في فيلم “الطفل الراقد” 2004، والمخرج “فرانسيس هوستر” في فيلم “رجل وكلبه” 2008، وفيلم “نولي..أمه” للمخرج “غابرييل جوليان لافيريير”، وهو كوميديا اجتماعية تقدم نقداً ساخراً لاشكالية الاندماج الاجتماعي والاقتصادي وقضايا الهوية المرتبطة به، التي تواجهها أجيال الضواحي الفرنسية المنحدرة من العائلات المغاربية المهاجرة.
وأدّت “رشيدة براكني” دور “أمل” في فيلم “جميلة صحراوي”: “بركات” 2006، وهو عن طبيبة جزائرية تغامر في فترة التسعينيات بعد ان اختطف الارهابيون زوجها الصحفي، وتنطلق للبحث عنه، سيتوجب عليها التعايش مع التغيير الذي سيطرأ على حياتها نتيجة ذلك. وتصعد مع ممرضة عجوز كانت شاركت في حرب التحرير الجزائرية وحتى استقلال الجزائر عام 1962، إلى الكهوف التي يختبئ فيها الارهابيون في الجبل، وتواجههم، وتطلب منهم بمساعدة الممرضة العجوز إطلاق سراحه. وما يجعل القصة أكثر إثارة، إظهارها للمرأة على غير المعتاد في السينما العربية. أخيراً شاركت “براكيني” في فيلم المخرج “سالم الإبراهيم”: “حكاية الليالي السود” 2015، وهو دراما واقعية بسيطة تعود إلى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، وكيف أثّرت الفوضى وقتها السياسية على كل مناحي الحياة.
*صحفي وناقد سينمائي سوري
اقرأ/ي أيضاً: