واحدة من أهم الروائيات الإنكليزيات في القرن التاسع عشر، والتي ساهمت مع غيرها من الكاتبات في تلك الفترة في صنع ما اصطلح على تسميته: الرواية النسائية الإنكليزية، في الوقت الذي لم تكن فيه الكاتبات قد دخلن بشكل مؤثر عالم كتابة الرواية.
ثمة تماثل واضح بين روايات “جين أوستن” وتفاصيل حياتها، فهي تعبّر عن حياة الناس الروتينية الهادئة في المدن الريفية، وشخصياتها بالعموم تنتمي إلى الطبقات الاجتماعية الوسطى، مع نقد دائم لطبقة ملّاك الأراضي الإنكليزية. لكن هذا لا يعني أن سطح الرواية الهادئ بأحداثه لديها لا يكتنف على شخصيات تعيش في عمقها تجارب إنسانية غنية ومركبّة، حيث أن كثافة التعقيدات التي تكمن تحت سطح الحياة الهادئة للرواية لا تحتاج إلى عناء لاكتشافها.
ولدت “جين أوستن” العام 1775 بين سبعة أخوة، وقد عاشت حتى الخامسة والعشرين من عمرها في قرية “ستيفنسون” التابعة لمقاطعة هامبشاير حيث كان والدها قسّ البلدة. وهي تحكي عن أسرتها المتجانسة والموهوبة في تسلية الذات عن طريق الألعاب والمطالعة وخصوصاً آداب القرن الثامن العشر. وعلى الرغم من أنها عاشت في زمن مجد الرومانسيين الإنجليز البارزين، إلا أنها لم تعر الأدب الرومانسي كثيراً من المبالاة، وخصوصاً طريقته في تصوير الشخصية فنياً. لكنها استمدت في رواياتها أكثر من تراث الكلاسيكية الجديدة ومن الكوميديا الأخلاقية.
رواية “السيدة سوزان” التي كتبتها وهي لم تبلغ الخامسة عشر من عمرها، ونشرت في العام 1871، فيها عرض ذكي للعبارات العاطفية والرومانسية للرواية الشعبية. أما روايتها “العقل والإحساس” التي كتبتها العام 1796، وأعادت كتابتها بعد سنتين ثم نقحتها ونشرتها العام 1811، فهي تقارب المثالية وتكتنف على غفران ذاتي عاطفي للانجراف في العاطفية.
وفي رواية “دير نورثانجر” التي نشرت أيضاً بعد وفاتها 1818 تسخر “أوستن” من البدعات الأدبية السائدة من خلال الحديث عن الرعشات الوهمية والمخاطر التي تتعرض لها بطلة الرواية “كاترين مورلاند”، وهي قارئة لا تميز ما تقرأه من الروايات القوطية.
في نهاية القرن كتبت رواية “الكبرياء والكراهية”، وتترجم أحياناً “الكبرياء والتحامل“، وهي من أهم أعمالها، ناضجة ساخرة وواقعية وتكتنف على نظرة متعاطفة مع طبيعة الإنسان. تفضح فيها “جين أوستن” اعتماد نساء تلك الطبقات على الزواج سعياً لمركز اجتماعي وحياة مادية مستقرة. وتمثّل شخصية “إما” ذروة تطور رواياتها السابقة، كما تجسّد خداع النفس وتضليل الآخرين، وقد نجحت الكاتبة في النظر إلى بطلتها بدون تحيّز.
شخصية “فابي برايس” في روايتها “مانسفيلد بارك” 1814 وشخصية “آن إليوت” في روايتها “الإقناع” 1818، كنّ أكثر لطفاً ويواجهن أنفسهن ومشاكلها. ثمة نضج أكبر في تلك الشخصيات يمكن للقارئ تلمّسه.
لم تكن “جين أوستن” قد بلغت 42 عاماً من عمرها حيت توفيت بسبب مرض أديسون العام 1817، ولكنها ألهمت ومازالت تلهم الكثير من الكتاب والكاتبات وكذلك صانعي الأفلام في اعتماد رواياتها وشخصياتها كقاعدة إبداعية يمكن البناء عليها كثيراً.