في 8 حزيران/ يونيو من العام 1992، وأمام مكتبه في مقر “الجمعية المصرية للتنوير” بمصر الجديدة في القاهرة، تم اغتيال المفكر العلماني، وأحد أهم رواد التنوير في العصر الحديث، “فرج فودة”، وهو لم يبلغ بعد عامه 47.
منفّذ عملية الاغتيال شاب ينتمي إلى الجماعة الإسلامية المتعصبة، يدعى “عبد الشافي رمضان”، استجاب لفتوى الدكتور “عمر عبد الرحمن“، مفتي الجماعة الإسلامية، في العام 1986 بقتل المرتد “فودة”، وبتكليف من “صفوت عبد الغني”، القيادي في الجماعة الإسلامية والذي كان وقتذاك معتقلاً في قضية اغتيال الدكتور “رفعت المحجوب” منذ العام 1990. رغم أن القاتل اعترف بأنه أُمي، لا يقرأ ولا يكتب، وبالتالي فهو لا يعرف أياً من طروحات ” فرج فودة” التي ادعت الجماعة الإسلامية بأنها تظهر ارتداده!
كتب “فرج فودة” العديد من المؤلفات التنويرية، وأثارت كتاباته تلك جدلاً كبيراً بين أوساط المثقفين والمفكرين وكذا أوساط رجال الدين، حتى شنّ علماء الأزهر وعديد الجماعات الإسلامية هجوماً عليه، وصل إلى تكفيره وتبرئة قاتله بحجة أنه طبّق حدود الله على المرتد، كما أعلن الشيخ “محمد الغزالي” أحد المحرّضين على قتل المفكر أثناء محاكمته.
كتابات “فودة” تعيد قراءة النص الديني برؤية حديثة، وتحاول تنظيف الإسلام، كدين، من الشوائب السياسية التي تراكمت عبر الزمن، وعادت بالمجتمعات الإسلامية إلى عصور الظلام، برأيه. كما دعا إلى فصل الدين عن الدولة وليس عن المجتمع، مؤكداً دائماً أن إنكار العلمانية جهل بالحضارة الحديثة، وإطلاق صفة الكفر عليها جهل بالعلمانية، والدعوة لدولة دينية جهل بحقوق الإنسان، والمناداة بالخلافة جهل بالتاريخ.
لذلك فقد أعلن مراراً عداءه للإسلام السياسي. وقد انتقد رجال الدين المتعصبين الذين يستغلّون الدين لمصالحهم، ويعملون على غسل عقول الشباب لتجنيدهم. فهو لم يختلف على الإسلام كدين، ولكن حول الدولة الدينية، ونظر إلى الإسلام باعتباره منزّهاً عن مطامع السياسة، ينبغي وضعه في مكانه العزيز بعيداً عن الخلافات. فالحكم كيان سياسي اقتصادي واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم.
من أهم مؤلفاته كتاب “الحقيقة الغائبة” 1984، والذي يُعتقد بأنه اغتيل بسببه بالدرجة الأولى، “زواج المتعة” 1990، “حوار حول العلمانية” 1987، “قبل السقوط” 1984، “الطائفية إلى أين؟” 1985، والكثير من المقالات والدراسات. أما في كتابه “النذير” 1989 الذي يعد من أهم كتبه فقد رأى فيه بأن التيار الإسلامي نجح في تكوين دولة موازية، وأن التيار المتشدّد لم يكن مجرد مرحلة أو حركة، ولكنه دولة داخل دولة، معتبراً أن الفوارق بين المعتدلين والمتطرفين في الإسلام السياسي تتلخّص في الدرجة وليس النوع.
شارك “فرج فودة” في تأسيس حزب “الوفد الجديد“، لكنه قرّر مغادرته بعد رفضه تحالف الحزب مع جماعة “الإخوان المسلمين” من أجل خوض انتخابات مجلس الشعب 1984، ثم شارك في تأسيس “حزب المستقبل” وكان ينتظر موافقة لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشوري المصري على إعلان الحزب، حين تمّ اغتياله أمام مقر “الجمعية المصرية للتنوير” التي عمل على تأسيسها، والتي سعت، ومازالت، إلى ترسيخ وتوسيع حق التعبير عن الرأي، كما الدعوة إلى مواجهة الكلمة بالكلمة.
اقرأ/ي أيضاً: