راما جرمقاني
-1-
في الغرفة المجاورة؛ لا يزال جاري الذي يشاركني الطرف الآخر من الجدار ، يتحدث بلكنته الحلبية الثقيلة، عن مغامراته الجنسية، بصوت عالٍ دون أدنى احترام لأنوثة تلك الفتاة.. ويحكي أسرارها لأكثر من عشرين شابًا، يقاسمونه الصناديق التي اصطفت على جانبي الغرفة، لكن الغريب؛ أن الأمر لم يزعجني اليوم، والأغرب أن السبب هو أنت.
-2-
في غرفتي، أحاول أن أعود بالذاكرة إلى الوراء عشر سنوات، لأبحث عن أسعد يومٍ في حياتي، بعد أن طلب صديقي كتابة تفاصيله على طريقة البوح. أفتش كثيرًا، لا أجد شيئًا، أستوعب أمرًا، لم تعد لديّ ذاكرة ما قبل الحرب. لم تعد تلك التفاصيل مهمة لأشغل بها مساحة التخزين في دماغي، لا حياة لي قبل الحرب، ولا إنجاز لي بعدها.
-3-
منذ فترة بدأت ألعب لعبة الصمت، صعبة جدًا، أربعًا وعشرين ساعة دون أن أسمع صوتي، بعد النجاح الأول، يجب أن ألعب لعبة الاختفاء!
-4-
لم أعتد أن أنظر في عيون الناس بدمشق، هنا، أحدق بكل الوجوه.، ليس فضولاً، إنما استكشافٌ… أبحث عن إجابة لسؤال: لماذا وُلدوا هنا؟ ولماذا بعد كل هذا الوقت لا أزال هناك؟؟!
-5-
أفتح عيني يوميًا.. أحتاج لأكثر من عشر دقائق حتى استوعب مكاني، لأدرك تفاصيل الغرفة الجديدة، لأدرك أنني لست في منزلنا في دمشق، أنظر للسقف، أسمع صوت أمي واشتم رائحة قهوة أبي، أتفقد هاتفي، أعلم أن لا موعد عملٍ تأخرت عليه، أغلق عيني لدقيقتين أخريين، لأحلم بذاك المنزل، ولأشتم تلك الرائحة..
-6-
أعرف أنني أحاول شغل نفسي، أعرف أن تعبئة وقت الفراغ لا تكون بهذه الطريقة، أعتقد دائمًا أنني أعقل، وأفاجئ نفسي بحماقتي الشديدة!
-7-
اشتاقك بكل أنانية، أتمنى لو كنت هنا لنتشاجر، أتمنى لو كنت هنا لتمسح دموعي، لتحميني من نفسي، أتمنى لو كنت هنا لتكبح جماح قلبي المجنون.
-8-
كنت أشغل نفسي بتفاصيل الحرب.. اليوم، وأنا اسمع صوتها الخافت من بعيد… أدركت حجم الفراغ.
-9-
أخاف الفشل كثيرًا، لكنني أخافه دون حجة، الحرب كانت حجتي وتبرير كسلي أحيانًا، اليوم لا يمكن أن أفشل إلا بسبب حربٍ عالمية ثالثة فقط! لم أعد أملك مبررًا!.
-10-
كلّما حضرت إلى ذاكرتي أنسى كل شيء، الزمان والمكان، أكتشف أنك ماضيَّ، حاضري ومستقبلي، واكتشف أن صوت جاري الحلبي بدأ يخفت، أبتسم قبل أن أستسلم للنوم، وأنت الذكرى الوحيدة.
مقالات ذات صلة: