من ألمانيا كما تخيلها القادمون والقادمات إليها سابقاً، إلى دويتشلاند التي سيعيشون فيها حقيقةً. الفروقات ما بين تصوراتهم حول الحياة في “ألمانيا” وبين معايشة التفاصيل اليومية في “دويتشلاند” كبيرة، ومن هنا نشأ مشروع “من ألمانيا إلى دويتشلاند” الذي يتوجه إلى القادمين والقادمات الجدد إلى ألمانيا ممن يتحدثون اللغة العربية كلغة أم. ويهدف لتقديم المساعدة في مراحل الحياة الأولى في ألمانيا.
التقت أبواب بالسيد يسر أفغاني مدير اتحاد المنظمات الألمانية السورية في برلين للحديث عن المشروع:
انطلاقاً من اسم المشروع، ما هي أهم الفروقات من وجهة نظر القادمين الجدد، ما بين تصوراتهم عن ألمانيا وبين دويتشلاند؟
إيجابا ً وسلباً، أعتقد أن المنظمات الشريكة التي تشرف على تنفيذ المشروع بشكل مباشر ستكون أقدر على الإجابة. مع ذلك، أستطيع القول إن أغلب التحديات تتعلق بصرامة القوانين وتفاوت العادات والأعراف في ألمانيا. مقابل هذه القوانين والعادات والأعراف، يستجيب القادمون والقادمات الجدد أيضاً بشكل متفاوت، فمنهم من يخضع خضوعا ً كاملاً ويحس نتيجة لذلك بالدونية النسبية، ومنهم من يرفض رفضا ً تاماً ويحس بالتفوق النسبي. يزيد التصرفان السابقان في صعوبة حياة القادمين والقادمات الجدد واندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة مع الزمن. من جهة أخرى، ِمن القادمين والقادمات الجدد َمن ينفتح على حياته الجديدة ويكون أكثر توازنا ً داخلياً بالدرجة الأولى، وخارجياً وسط مجتمعه الجديد بالدرجة الثانية.
وهل لهذه الفروقات ما يقابلها لدى الألمان أثناء تعاطيهم مع اللاجئين؟
لا أتفق مع تعميم استعمال تعبير “الألمان”. فهذا الشعب ليس كتلة تفكر وتتصرف بشكل موحد. وإنما هم أناس عاديون مثل السوريين أو الكازخستانيين مثلاً. فمن الألمان من ينغلق تجاه “الغرباء” القادمين الجدد ويرى فيهم خطراً على ثقافة يدافع عنها لأنه تعب في بنائها، ومنهم من يبدي انفتاحاً على الآخر ويراه فرصة للتعرف على ثقافة جديدة.
برأيكم ما السبب الأساسي في سوء الفهم بين الطرفين أهو اللغة أم طبيعة المجتمع أم الدين، آلية فهم القانون.. ولماذا؟
تلعب كل العوامل المذكورة دوراً في صعوبة الحياة في مجتمع جديد. هناك أولاً درجات عدمية من الاندماج أو عدم الاندماج، تتجلى في الخضوع الكامل أو الرفض المطلق للمجتمع الجديد. ولكن وبشكل عام لهذه العوامل دورها في تحديد صعوبة الحياة في ألمانيا بدرجات متفاوتة بتفاوت الأشخاص. فمن القادمين والقادمات الجدد من يعاني من اللغة، ويتصالح بالمقابل مع القوانين، ومنهم من يبعده الدين عن مجتمعه الجديد، بينما يرتاح ربما للنظام السياسي، ومنهم من يتجاوز الدين واللغة ويعاني مثلاً من الطقس أو البيروقراطية، أو العمل أو السكن.. وهكذا.
من جهة أخرى هل يسري سوء الفهم هذا ما بين القادمين الجدد والمهاجرين القدماء الذين تمكنوا من فهم طبيعة المجتمع الألماني، وهل كان من السهل عليهم لعب دور الوسيط مع القادمين الجدد (مدى التقبل من الطرفين، التعالي أو النظرة الدونية حسب ما يعتقد لبعض)؟
مرة أخرى، لا أستطيع الحديث عن الجدد أو عن القدماء في ألمانيا ككتلة واحدة تفكر وتتصرف بشكل موحد، من القدماء من ينظر بدونية إلى “الوافد الجديد الذي لا يتكلم اللغة بطلاقة، ولا يعرف أن ينظم أموره، ولا يستطيع أن يتخذ قراراته بسرعة، وربما يسهم في تشويه سمعتنا نحن القدماء”، وهناك من القدماء من يحس بمسؤولية مساعدة القادمين والقادمات الجدد، لأنه طبعاً سبق ومر بنفس التجربة، مما يجعله أكثر فهماً لتفاصيل المشاكل التي يعاني منها الوافد وأكثر قدرة بالتالي على الوقوف بجانبه في أيامه الأولى في مجتمعه الغريب.
يحدث أن يوجه بعض القادمون الجدد لأي ألماني لا يتعاطف معهم أو يتفهمهم تهمة العنصرية، وفي المقابل يعتبر بعض الألمان سواء على الصعيد الرسمي أو الفردي أن كثيراً من اللاجئين متخلفين وغير راغبين بالعمل أو التعلم، هل واجهتكم حالات كهذه؟ وما دوركم في توضيح الفرق ما بين اتهامات كهذه وما وراءها من سلوكيات قد تخفي وراءها نوايا حسنة لدى الطرفين؟
عادة ما توجه هذه الأحكام لدى مواقف الصدام. قد يلوذ القادم الجديد كما يلوذ الألماني لدى العجز عن تفسير منشأ موقف الصدام، يلوذ بأحكام مسبقة وتعميمات بناها في رأسه. فمن السهل القول إنني لم أحصل على العمل لأن صاحب العمل الألماني “عنصري”، ومن السهل القول إنني اصطدمت بالغريب لدى النزول من القطار لأنه “جاهل ولا يعرف عاداتنا حيث يجب أن يترك الركاب ينزلون أولاً”.
الموقف أصعب عادةً للقادم الجديد، فليس من السهل عليه التفكير أن الألمان بشر عاديون، منهم العنصري ومنهم المنفتح، اللطيف وحاد الطباع. وقد يكون الطرف “الألماني” المقابل عنصريا ً فعلاً وقد لا يكون لكنه ببساطة يمر بيوم سيء. ولا شك أن هذا اللجوء إلى الأحكام المسبقة لدى كلا الطرفين في كل مرة أسهل وأسرع من محاولة التماس الأعذار للآخر.
ما هو العامل الأهم الذي تعتبرونه أقدر على كسر حواجز سوء الفهم وتقريب الطرفين؟ وما الدور الذي تلعبونه في هذا المجال؟
الزمن. قد يكون الزمن هو العامل الأهم الذي يسهم في كسر الحواجز. كل ما نفعله نحن في مشروع “من ألمانيا إلى دويتشلاند” وغيرنا ممن يشاركوننا نفس الهدف والمسؤوليات هو محاولة اختصار هذا الزمن، ومحاولة منح القادمين الجدد فرصة لتخفيف طول فترة غربتهم في مجتمعهم الجديد. عامل آخر مهم هو الرغبة الحقيقية لدى كل الأطراف بالانفتاح على الآخر. وبالتأكيد الانفتاح على الآخر- بالاتجاهين- لا يعني بالضرورة الانصهار والذوبان في عاداته “الغريبة”، وإنما ببساطة تقبلها وتقبل اختلافها.
ما مدى استجابة القادمين الجدد للمشروع، واهتمامهم بالأنشطة وورشات العمل التي تقيمونها؟
تتفاوت درجات الاستفادة من المشروع بتفاوت رغبة وقدرة المستفيدين والمستفيدات على المشاركة في مجتمعاتهم الجديدة. هنا تلعب تجربتهم قبل وبعد وصولهم إلى ألمانيا دورا ً مهماً فمن القادمين والقادمات الجدد مَن مرَّ بتجربة أكثر سوءاً من الآخرين، تجعله أقل قدرة على المشاركة في مجتمعه الجديد. ومنهم كانت حياته قبل الوصول إلى ألمانيا ليست بذلك السوء الذي يؤثر عليه سلباً لمدة أطول نسبياً. كما وتتفاوت درجة الرغبة والقدرة على الاندماج بحسب تجربة القادمين والقادمات الجدد في ألمانيا. فمنهم من مرت أمورهم بسلاسة، ومنهم من عانى من ظروف سيئة، أو موظف مزعج، ومنهم من اضطر للانتظار طويلاً، ومنهم من تعرف إلى أصدقاء أو مجتمع جديد ساهم إيجاباً في حياته، ومنهم من تعرض لمواقف صعبة مع المجتمع الجديد، وهكذا.
هل يستطيع المنتفعون التعبير عن احتياجاتهم الفعلية منذ وصولهم، وبالتالي هل يعتبرون هذه المشاريع تمسهم فعلاً وأولوية بالنسبة إليهم؟
أتمنى لو أن هناك وصفة سحرية تختصر على جميع الأطراف صعوبة الحياة في مجتمع جديد. ليس مشروع “من ألمانيا إلى دويتشلاند” ً جهازا ً الكترونياً لإعداد القادمين والقادمات الجدد، بل محاولة بين محاولات كثيرة لاختصار ما يمكن اختصاره من صعوبات يعاني منها كل من اضطرته ظروفه للهجرة إلى مجتمع آخر. كل مشروع يُنفذ هو فرصة لتطوير المشروع التالي. وفي نهاية الأمر، تبقى تجربة الحياة في مجتمع جديد تجربة فردية على الجميع أن يعيشها ويراكمها ويحكم عليها بشكل منفرد وشخصي.
…………………………………………………………………………………………
من ألمانيا إلى دويتشلاند..
بدأ مشروع “من ألمانيا إلى دويتشلاند” منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018 ويستمر حتى نهاية آب/ أغسطس 2019. وهو ممول من وزارة الداخلية الألمانية وينفذ من قبل اتحاد المنظمات الألمانية السورية.
على المستوى الأول لعمل المشروع: يلعب اتحاد المنظمات الألمانية السورية في مشاريعه عموماً دور الوسيط بين الجهات الممولة وبين المنظمات والجمعيات الشريكة في الاتحاد. ويعمل على التشبيك والتعاون مع الجمعيات الشريكة والتي تنشط في الشأن العربي عموماً، والسوري خصوصاً داخل وخارج ألمانيا.
وعلى المستوى الثاني، تعد المنظمات والجمعيات الشريكة في الاتحاد المنفذ الفعلي للمشروع على أرض الواقع، وتكون على اتصال مباشر مع المستفيدين، أي مع القادمين والقادمات الجدد إلى ألمانيا، ويتم التنفيذ عبر تنظيم لقاءات ثقافية تبادلية معهم في أماكن إقاماتهم، يقوم من خلالها مدراء ومديرات النقاش باختيار مواضيع حياتية تطرح للنقاش وتبادل الآراء من منظور المشاركين والمشاركات، والمنظمين والمنظمات (وهم عادةً ممن مضى على وجودهم فترة أطول نسبياً في ألمانيا، واستطاعوا تجميع خبرات حياتية تمكنهم من إدراك الصعوبات المتوقعة، وفهم القوانين والعادات العامة، والتي تشكل عادةً الصعوبات الأساسية في أولى مراحل الحياة الجديدة.
يعد مشروع “من ألمانيا إلى دويتشلاند” المرحلة الثانية للمشروع التجريبي الأول “دويتشلاند باللغة العربية” والذي تم تنفيذه كمرحلة أولى في (2017-2018).
تتم إدارة المشروع من مقر اتحاد المنظمات الألمانية السورية في برلين، وتشارك فيه ثماني منظمات وجمعيات شريكة تتوزع على خمس ولايات ألمانية. وهي بحسب الترتيب الأبجدي: اتحاد الطلاب والأكاديميين السوريين USSA – برلين باك أون تراك BoT – برلين التجمع الألماني السوري الحر FDSG – هامبورج التجمع السوري في شليزفيش-هولشتاين SGSH – كيل تجمع المساعدة الإنسانية HHC – برلين الجمعية الألمانية السورية DSV – دارمشتادت دوز إنترناشيونال DOZ – لايبتسيش سلام – النادي الثقافي Salam – برلين.
اقرأ/ي أيضاً: