مقال: نوار حرب والدكتور هاني حرب
علوم الإنسان، العلوم الجزيئية، العلوم الطبية، يحمل هذا الفرع العديد من المسميات، معظمها تصب في نفس الهدف وتتنوع بالجزئيات الصغيرة، وكما يقال في ألمانيا الشيطان يختبئ في التفاصيل، سنحاول هنا شرح بعض هذه التفاصيل وسنقدم شرحاً عن تجربة شخصية لاختصاص علوم الحياة الحيوية في جامعة ماربورج.
في الفصول الثلاث الأولى يوجد ما يسمّى بالمواد الأساسية التي يجب أن تنجح بها جميعاً لكي تستطيع أن تنتقل إلى مرحلة الاختصاص، وهذه المواد تتضمن الفيزياء، الرياضيات، علم التشريح، علم الفيزيولوجيا، أساسيات البحث المخبري، الكيمياء العضوية، علم الأدوية والسموم، وعلم الخلية والأنسجة. يتم تدريس هذه المواد على مبدأ إعطاء الطالب فكرة عامّة عن الدّراسة وتجهيزه لاستيعاب ما سيأتي في الاختصاص لاحقاً، وتعد أصعب بكثير من الاختصاص.
يجب على الطالب أن يقوم بعمل تدريب (Praktikum) في أحد المخابر لمدة شهر على الأقل أو يستطيع استبدال التدريب بمادتين إضافيتين ليزيد بهما نقاطه الدراسية، بدلاً من مادة واحدة كما هو المعتاد، وهذه المادة يمكن أن تكون أي شيء في الجامعة مثلاً: دورة لغة إسبانية، أو كورس بالمحاماة أو التاريخ، بشرط أن توافق عليه إدارة الفرع بالجامعة.
تقوم الجامعة بتأهيل الطلاب وتجهيزهم للبحث العلمي المحض عن طريق إثارة آلية التفكير لديهم، لإيجاد حلول وعلاجات للأمراض والأورام التي تصيب الجسم البشري، وتحليل عوامل الأمراض على المستوى الخلوي وتحت الخلوي، وفهم آلية عمل الأدوية في الجسم، وتعليل حدوث الأمراض الجينية بالبحث عن المورثات والجينات المسؤولة عنها والتعديل عليها وتصحيحها (على مستوى تجارب البكتيريا أو التجارب الحيوانية غالباً). إضافة لما سبق يوجد قسم الدراسات العصبية لفهم آلية عمل الدماغ والجهاز العصبي.
هل يجب أن تتعلم كل ذلك؟ لحسن الحظ لا، فيجب على الطالب أن يختار في الفصل الرابع بعض المواد التي ستؤهله لاختيار نقطة الثقل في مشروع تخرجه، بمعنى آخر يختار الشخص واحداً من الاختصاصات الأربع التي يحتويها هذا الفرع، وهي علم المناعة والأوبئة، علم الأورام، علم الخلية أو علم الأعصاب، ولكل قسم منهم نكهته الخاصة وميزاته التي سنحاول شرحها هنا بانفراد.
علم المناعة والأوبئة
يتحدث بشكل عام عن الفيروسات والبكتيريا وطرق الجسم للوقاية منها عن طريق المناعة المكتسبة والمناعة الموجودة في الجسم، وكيفية عمل هذه الفيروسات والبكتيريا على الصعيد الخلوي والسموم المنتجة منها أو التعديلات الجينية التي تفتعلها بالحمض النووي للخلية الإنسانية. الهدف من هذا التخصص هو إيجاد طرق علاجية فعالة لهذه الأمراض التي تفتك بالجنس البشري.
علم الأورام
من منا لم يسمع بذاك المرض الخبيث الذي يعيث في خلايا جسمنا ويدمرنا من الداخل، نعم إنه السرطان، لكن ما هو فعلياً؟ وكيف ينشأ؟
الخلايا السرطانية عبارة عن خلايا تقوم بتعديلات على نفسها وعلى محيطها من أجل بقائها حية، عكس ما هو طبيعي في الخلايا العادية التي تمر بدورة حياة تنتهي بالموت الخلوي المنظم، معلومات كثيرة تتعرف عليها في هذا الاختصاص، عن التعديلات على الجينوم التي تجريها هذه الخلايا وعن طرق إزالة صفة الخلود من هذه الخلايا والتخلص منها، أو الجملة الرائجة “علاج مرض السرطان”.
علم الخلية:
المتقدرات هي معمل الطاقة في الخلية، والنواة تحوي الحمض النووي الذي يعتبر كالمخطط الإعماري للجسم البشري، هذه فقط عناوين تعلمناها في حصة العلوم في المدرسة، أما كيف يحدث ذلك على المستوى الخلوي، وكيف تستطيع مراقبتها تحت المجهر الضوئي أو الإلكتروني، كيف تنتقل المواد الكيميائية وكيف تفرز في الخلايا، كشف المادة المظلمة الخلوية وفك شيفرتها، والأجمل هو العمل مع المجهر الفوسفوري وتلوين العضيات الخلوية بالألوان البرّاقة، في حال أيقظت هذه المواضيع اهتمامك فلا تتردد في اختيارك لهذا الاختصاص.
علم الأعصاب
الوعي واللاوعي، القدرة على التفكير، قدرتك على قراءة هذا المقال، قدرتك على النوم ليلاً وكل عملية حيوية تقوم بها من رغبتك في شرب الماء إلى قدرتك على تكوين المشاعر مع شخص ما، كل ذلك ناتج عن الخلايا العصبية والنواقل العصبية والمستقبلات، القنوات الأيونية، والمستقبلات المرتبطة بالبروتيناتG ، قد تسمع كثيراً في حياتنا اليومية (أو ربما لا تسمع بل تقرأ فقط)، عن السيروتونين هرمون السعادة، الأوكسيتوسين هرمون العناق، الميلاتونين هرمون النوم، والدوبامين هرمون المكافأة والنجاح، كيف تتفعل هذه الهرمونات في خلاياك، على أي المستقبلات تؤثر، ما الهدف منها بيولوجياً وتطورياً، المواد الكيميائية المشابهة لها بنيوياً أو أثرياً، الأدوية العصبية والمخدرات (بينهما شعرة معاوية، حيث ممكن أن يستعمل دواء كمخدر أو مخدر كدواء)، كل ذلك وغيره الكثير تتعلمه في هذه الاختصاص في حال أثارت هذه المواضيع اهتمامك.
لا يجب أن تكون جميع موادك من اختصاص واحد من السابقين، ويمكنك أن تبني الخليط الذي تريده، حسب اهتمامك، بشرط أن تقوم بالنجاح في مادتين من الاختصاص الذي ترغب بكتابة مشروع تخرجك عنه، كما توجد بعض المواد تابعة لاختصاصين معاً ممّا يسهّل هذا الأمر، هذا يعطي الطالب حرية الاختيار في رسم برنامجه الدراسي على هواه.
في هذا الفرع الجميل، عدد الطلاب فيه ليس بكبير، فهو حوالي ٨٠ طالباً، ويوجد أكثر من ٣٠٪ من الذين قد يتركون الدراسة ويسلكون طريق آخر، إما بسبب صعوبة الفصول الثلاثة الأولى أو بسبب اختلاف الاهتمامات، أو قلّة/خطأ المعلومات التي يحصل عليها الطالب قبل اختياره هذا الفرع. في فترة الاختصاص يكون في كل مادة ما لا يزيد عن ١٢ طالباً، مما يعزز العلاقة بين الطلاب وأساتذة المواد المُدرّسة ممّا
مما يحقق جودة أكبر في التعلم.
ماذا يستطيع الخريج أن يعمل مستقبلا عند دراسته هذا الفرع؟
مجال وسوق العمل واسع جداً، ومتنوّع، يستطيع الشخص العمل في الجامعات، مراكز البحث الخاصّة، شركات الصناعات الدّوائيّة، منظمات الصحة العالمية وغيرها الكثير. من جهة أخرى، فإن عدد الخريجين كبير أيضاً، لذلك يجب على الطالب غالباً دراسة الماجستير من أجل الحصول على عمل بشروط جيّدة.
كيف تعلم إن كنت مؤهلاً لهذه الدّراسة؟
الشرط الأول يجب أن يكون لديك انفتاح على البحث العلمي والابتعاد عن العلوم الزائفة، والرغبة في الدراسة وليس الرغبة المادية، فمعظم الذين تركوا الفرع هم من الطلاب الذين لم يكن لديهم أي اهتمام بهذه الدراسات واعتبروها بديلاً عن مقعد الطب البشري.
الشرط الثاني اتقان اللغة الألمانية (شهادة TestDAF أو DSH2) والإنجليزية، بما أنها لغة البحث العلمي (يجب أن يكون الطالب لديه بعض المعرفة بالإنكليزية أو كان قد تعلم اللغة الانكليزية لثلاث سنوات في المدرسة سابقاً).
الشرط الثالث هو معدل العلامات التي حصل عليها الطالب في المدرسة الثانوية، والذي يتغير كل سنة حسب عدد المتقدمين (عند تقديم نوار للجامعة كان معدل القبول هو ١.٥ والسنة الماضية أصبح ١.٣).
رأي شخصي من نوار كطالب حالي في الفرع
تقييمي للدراسة بشكل عام جيد جداً، بما أنها تثير اهتماماتي بشكل كبير، وحبّي للعمل في المخبر (حتّى الآن) والحرّية في اختيار التخصص والمواد. لا أخفي أنني واجهت الكثير من الصعوبات في الفصول الثلاثة الأولى بسبب أن نمط أسئلة الفحص غالباً كتابي، ويحتاج الطالب إلى التعلم الدقيق للتفاصيل الصغيرة والقدرة على شرح الفكرة بشكل واضح، وهذا ما نفتقده من خلال دراساتنا في دولنا العربية.
أنصح بشكل كبير بجامعة ماربورج لأنها تعد من أفضل جامعات ألمانيا في هذا الاختصاص، وتطوّر البحث العلمي فيها (مخبر من الدرجة الثالثة في الحماية يضم فيروسيي ماربورج والإيبولا، والأهم طبعاً هو الحياة الطلابية في المدينة، فمدينة ماربورج لا تحتوي فقط على جامعة، بل المدينة كلّها جامعة بحد ذاتها.
في حال وجود أي أسئلة أو استفسارات أخرى يمكن سؤال نوار مباشرة عبر مراسلته على بريده الإلكتروني nuwar.harb@hotmail.com
إقرأ/ي أيضاً: