ريتا باريش
تميل النسبة الكبرى من أفراد الجالية العربية في ألمانيا إلى شراء المواد التموينية وخاصة الزيوت والسمون والحبوب وغيرها من متاجر العرب أو الأتراك أو الهنود، لمعرفتهم بأنهم سيحصلون غالبًا على نتائج مُرضية، وتتسم تلك المنتجات إجمالاً بجودتها ونوعيتها، فهي تمثل قمة ما يمكن تصديره من بلاد المنشأ، إلا أنها قد لا تكون في كثير من الأحيان في متناول البعض. أو لا تعطي النتيجة المأمولة.
زيت الزيتون في ألمانيا: اليوم، تطرح السوبرماركات العادية ومتاجر الأغذية العضوية نفسها كبديل جيد للتزود ببعض تلك المنتجات، وأصبح كثير من الألمان مؤخرًا يستهلكونها أو يقبلون على تجربتها. فما خصائص تلك المنتجات، وكيف يمكننا توظيفها بالشكل الأمثل في مطبخنا؟
ستلقي هذه السلسلة من المقالات الضوء على تنوع المواد الغذائية الموجودة في ألمانيا كالأرز والسكر والزيت والقهوة والشاي والبطاطا والطحين والحبوب الأخرى، لتكون دليلاً يعمل على زيادة معرفتكم بها وبأماكن توفر أفضلها.
زيت الزيتون في ألمانيا:
يرتبط تعريف الزيت بالنسبة إلينا كمتوسطيين بزيت الزيتون. فهو يمنح مطبخنا أبرز خصائصه بحيث يُعجزنا تخيل أي طبق خضري أو أي نوع من السلطات دون إضافته، ناهيك عن خصائصه العلاجية والطبية واستعمالاته في صناعات عريقة في منطقتنا كالصابون، ويكاد يكون متجذرًا في كل ما يشكل هويتنا الثقافية. ارتبط منذ القديم بطقوس القداسة ومفهوم الندرة والمَلَكيّة.
فكلمة مسيح، تعني النبي والملك الممسوح بالزيت المقدس المصنوع من خلطة من زيت الزيتون وبعض الطيوب. وهو تقليد ورثته المسيحية في عدد من طقوسها. كما عُرفت عن نبي الإسلام محمد سنة التطيب بزيت الزيتون ومسح الرأس به.
تعود أقدم آثار تدجين شجرة الزيتون في بلاد الشام إلى الألف الخامس قبل الميلاد، أي إلى العصر الحجري الحديث الذي تم خلاله تدجين المزروعات والحيوانات الأولى. أما آثار زيت الزيتون الأقدم فتعود إلى حوالي 2500 ق.م. وعلى النقيض من سكان بلاد الرافدين الذين عرفوا في مناطقهم زيت السمسم، استخرج سكان شرق المتوسط زيت الزيتون وحمله الفينيقيون إلى العالم مدخلين زراعة الزيتون إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وكان هو أيضًا سببًا في سعي الآشوريين في القرن السابع ق.م لغزو منطقة جنوب شرق المتوسط وعقرون الواقعة في فلسطين الحالية للسيطرة على مناطق انتاج زيت الزيتون الذي ساهم في ازدهارها اقتصاديًا[1].
ولا يمكن لأي شخص من بلاد الشام وشرق المتوسط أن يفقد بوصلته في خارطة الزيوت، فلأغلب الأسر السورية موّردون يمدونها باحتياجاتها السنوية من الزيت الحلو كما يدعوه البعض، ممن لديهم كروم ومعاصر في مناطق الإنتاج والزراعة المعروفة. وفي حين يفضل البعض زيت عفرين وإدلب الثقيل ذو اللون الأخضر الداكن والطعم العشبي أو الفلفلي الحاد، والعكر أحيانًا، يفضل البعض الآخر الزيت الأخف المائل للون الأصفر الذي ينتجه الساحل السوري وخاصة كروم بلدة صافيتا.
أما بخصوص زيت الزيتون في ألمانيا وعلى اعتبار أنه بلد المستورد للزيت والزيتون من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، فتحديد الزيت المناسب وسط الأسماء التجارية والنكهات المختلفة والأنواع المتفاوتة في الجودة والسعر قد يغدو أمرًا بالغ الصعوبة. خاصة وأن طعم زيت الزيتون مسألة ذوق خاص.
وليس بالضرورة أن تكون أجود الزيوت أغلاها، فالاختبارات السنوية التي تجريها مؤسسة Warentest على جودة الأنواع المتوفرة للمستهلك، تثبت أن لا علاقة مباشرة بين السعر والجودة وما هو مكتوب على ملصق الزجاجة. فمثلاً، أثبتت اختبارات مطلع العام الحالي على الزيوت المباعة في الأسواق أن ثلاثة من أجودها هي من الزيوت الرخيصة المتوفرة على رفوف السوبرماركت حيث يتراوح سعر اللتر منها بين 5-6 يورو، في حين أن الكثير من الزيوت التي تحمل علامة “Extra Virgin Olive Oil – زيت الزيتون البكر الممتاز” لم تكن كذلك[2].
تصنيفات زيت الزيتون
بحسب طريقة العصر:
إن الصنف الذي يطلق عليه اسم زيت الزيتون البكر Virgin olive oil هو ناتج العصرة الأولى لثمار الزيتون الكاملة بطريقة العصر البارد وفصل الزيت عن العصارة. ولكي يحمل صفة “Extra- ممتاز”، يجب أن تقل فيه نسبة الحموضة عن 1%. ونظرًا لعدم تعريضه للحرارة، يحافظ زيت الزيتون البكر على نسبة عالية من العناصر الغذائية والأحماض الدهنية الأساسية وفيتامين E، ويحتفظ بخواص ثمرة الزيتون وطعمها بغض النظر عن نوع أو منشأ الحبة.
ولإنتاج زيت متوسط الجودة وأقل كلفة، يعمد المصنعون إلى تعريض الزيتون للحرارة من أجل تكسير ألياف الثمرة تسهيلاً لعصرها، إلا أن هذه العملية تؤثر سلبًا على المذاق والرائحة والعناصر الغذائية للزيت. وقد تلجأ بعض الشركات المصنعة إلى خلطه بنسب من زيت الزيتون البكر لتعديل مذاقه وخصائصه، وهذا النوع من زيت الزيتون يمكن استخدامه في طهي الطعام لأنه يتحمل درجات الحرارة المرتفعة نوعًا ما أكثر من الزيت البكر، حيث يناسب الأخير السلطات والأطباق الباردة.
أما عصير تفل الزيتون، فهو من أردأ الأنواع، ويذهب إلى استخدامات صناعية كصناعة الصابون البلدي ومستحضرات التجميل.
بحسب المنشأ والطعم:
بين الإيطالي والإسباني والفرنسي والكريتي واليوناني، يحار الكثيرون عند اختيار الزيت الذي يناسبهم من بين أنواع تختلف من حيث المنشأ. وقد يُعمد في بعض الأحيان إلى الربط بين المصدر والجودة، غير أن هذا الكلام غير دقيق، فلكل بلد ومنطقة خصائص مميزة لزيتونها تتعلق بالتربة والمناخ والتعرض للشمس والرطوبة ومعدل هطول الأمطار ونوع الثمرة وموعد القطاف، وهي ليست معيارًا لجودة الزيت التي تحسمها عملية التحضير وتقنية الاستخراج والتخزين وأحيانًا الخلط.
وتبقى مسألة الذوق والطعم وغرض الاستعمال هي ما يرجح كفة اختيار منشأ الزيت. فالزيت الإسباني عمومًا أصفر اللون فاكهي المذاق وخفيف وذو عتبة احتراق عالية نسبيًا حيث توجد الكثير من الأطباق الإسبانية “المقلية” بزيت الزيتون، الزيت البرتغالي له طعم جوزي أما الفرنسي فمن أخف الأنواع وزنًا. الزيت الإيطالي يختلف كليًا بين الشمال والجنوب بسبب اختلاف المناخ والأمطار وتفاوت أزمنة القطاف فزيوت الشمال خفيفة تشبه الزيوت الفرنسية وزيوت منطقة توسكانا سلسة حلوة المذاق لأن قطافها يكون مبكرًا تجنبًا لموجات الصقيع أما زيوت الجنوب فذات لون أخضر وطعم عشبي قوي ولاذع يذكر بالزيوت التونسية. وللزيوت اليونانية والكريتية طعم اللوز.
نصائح مجرّبة
- إن اختبار أصالة وصفاء زيت الزيتون هي عملية أعقد مما يظن، ولا يمكن بالتذوق وحده الحكم على جودة الزيت ونقائه، كما أن اختبارات الحرق والتدخين غير حاسمة. ولذلك، على المرء أن يعرف كيف ومن أين يشتري الزيت وأن يتابع تقارير الجودة التي تجريها المختبرات المستقلة على الأنواع المباعة في الأسواق. وهذا ما ننصح به لمن يحاول شراء زيت الزيتون في ألمانيا
- عتبة احتراق زيت الزيتون بشكل عام منخفضة وقد تختلف بين نوع وآخر حسب خفته ونسبة حموضته وطريقة إنتاجه، ولا يجب تعريض الزيوت البكر للحرارة وإلا فتخسر خصائصها ونكهتها المميزة، أما الزيوت الخفيفة والمكررة فتصلح أكثر للتسخين والطبخ، ولا ينصح عمومًا بالقلي بزيت الزيتون، إنما بإضافته في المراحل النهائية من الطبخ ما أمكن أو مع وجود الكثير من السوائل بحيث لا ترتفع حرارته كثيرًا.
- لون الزيت لا يلعب أي دور في تحديد جودته، وهي تتراوح بين الأخضر الداكن والعشبي والأصفر والذهبي وقد تكون عكرة أو شفافة. إلا أنه في حال الزيوت العكرة (كالزيت الذي نسميه في منطقتنا “خريج”) يجب الانتباه إلى استهلاكه طازجًا وعدم تخزينه لفترات طويلة، فقد تتخمر الشوائب أو تتعفن لاحتوائها على نسب من الرطوبة.
- لا يعتق الزيت ولا يخزن لفترات طويلة، ومن الأفضل استهلاكه طازجًا، كما يجب حفظ الزيت دائمًا في أوعية داكنة غير شفافة منعًا لتأكسده عند تعرضه للضوء.
- غالبًا ما تُلاحظ عبارة “زيت زيتون من منشأ الاتحاد الأوروبي” على بعض الأنواع غير الغالية دون الإشارة إلى بلد المنشأ بشكل صريح، وهو أمر لا يعيب الزيت طالما أنه مذكور على المنتج، فإنتاج إيطاليا من الزيوت مثلًا، لا يكاد يكفي استهلاكها المحلي المرتفع، ولهذا فإن خلط أنواع مختلفة ذات جودة متماثلة وخاضعة لرقابة الاتحاد الأوروبي قد يكون حلاً للاستهلاك المتزايد وللسعر أيضًا.
- السعر ليس عاملاً حاسمًا في جودة الزيت، ولا المنشأ، ولا كونه يحمل إشارة Bio للأغذية العضوية. الذوق الشخصي وغرض الاستخدام واختبارات الجودة التي تنشرها المختبرات المستقلة هي المعيار.
- البعض قد يميلون إلى شراء زيوت مستوردة من المنطقة العربية أو تركيا، اعتقادًا منهم بالحصول على طعم أقرب ما يكون إلى زيت الزيتون الذي اعتادوا تناوله. وتلك الزيوت أيضًا هي خيار متاح، على الرغم من أن سعرها قد يرتفع لكلفة استيرادها وليس لجودتها. ويجب في جميع الأحوال الأخذ بالحسبان أن تلك الزيوت لا تخضع للمعايير المطبقة في الاتحاد الأوروبي من حيث نسب التلوث المسموحة والشوائب.
- لزيت الزيتون البكر الممتاز نكهة قوية غالبًا ما تطغى على الطعمات الأخرى في الأطباق، وخصوصًا في السلطات التي تحتوي على العديد من المكونات بحيث يخفي طعمها. ولهذا لا ينصح باستعماله إلا مع مكونات بسيطة ذات طعم حريف كالجرجير والهندباء مثلًا. واستعمال زيت زيتون عادي لجميع الاستعمالات.
[1]Journal of the Economic and Social History of the Orient 54 (2011) 62-86
The Interests of the Assyrian Empire in the West: Olive Oil Production as Olive Oil Production as a Test-Case – Avraham Faust
[2] عن موقع Stifftung Warentest
مواد ذات صلة.