هل الديمقراطية مسألة سياسية فقط؟ أم أنها أسلوب حياة ومسألة تربوية أيضاً يجب أن تبدأ من علاقة الآباء مع الأبناء؟
يعتقد بعض الآباء أنهم بمجرد إنجاب الأطفال، فهذا يعني أنهم ملك لهم، فعندما نقول “أولادي”، نظن أن لدينا الحرية الكاملة لفعل أي شيء تجاههم. يقول خليل جبران: “أولادكم ليسوا لكم، إنهم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، فهم بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم معكم، فهم ليسوا ملكًا لكم”.
من الجيد للآباء الذين نالوا شرف تحمل مسؤولية إنسان آخر، أن يفهموا أن هذا لا يعني أنهم يملكون هذا الصغير، ولكن عليهم أن يقوموا بأفضل ما لديهم لرعاية وتحفيز ومساعدة هذا الصغير للوصول إلى أفضل ما لديه من إمكانات.
فروق جوهرية بين التربية الشرقية والتربية الغربية لطالما شكلت هاجساً يؤرق الأسر العربية لاسيما في بلاد الغرب فهل تتحمل القوانين الأوروبية مسؤولية الأبناء أم يتحملها الآباء والأمهات؟
هذه القوانين منحت المدارس صلاحية كبيرة للتدخل في العلاقة بين الأب والابن، فإذا علمت المدرسة بأن الأب قد آذى ابنه، يحق لها بل يتوجب عليها أن تتصل بدائرة الشباب والإبلاغ عن الوالد وفي حالاتٍ كثيرة يتم سوقه إلى السجن، بينما يحق لدائرة الشباب أن تأخذ الطفل ليعيش في مأوى الأطفال، أو أن تقرر أن يعيش مع والدته في حال كان المعتدي هو الوالد (والعكس صحيح)، أو أن يرسل الطفل ليعيش مع عائلة أخرى.
اختلاف الثقافات
فاطمة، سيدة سورية مقيمة في مدينة كاسل الألمانية، تبلغ من العمر أربعين عاماً وهي أم لخمسة أطفال، تقول: “نحن في ألمانيا نتحمل أضعاف أضعاف المسؤولية في تربية أبنائنا التربية الإسلامية الصحيحة، فعادات وتقاليد الغرب تختلف اختلافاً جذرياً عن عاداتنا وتقاليدنا” وتكمل: “أنا قلقة جدا بشأن المحافظة على أبنائي وحمايتهم من الضياع والانحراف”.
العنف ضد الأبناء
أما أبو هيثم، لاجئ سوري يبلغ من العمر ستين عاماً وهو أب لأربعة أولاد، مقيم في مدينة دارم شتات، قامت ابنته غفران ابنة العشرين عاماً بإبلاغ الشرطة عنه، بعد الاعتداء عليها بالضرب وتسببت بحبسه وتم أخذ توقيعه على تعهد بعدم التعرض لها، أما غفران فقد غادرت منزل أهلها منذ ذلك اليوم.
يقول أبوهيثم: “أنا فقدت السيطرة تماما على أولادي، ماعاد حدا منهم يرد علي أو يسمع كلامي بهالبيت” وقد وضح ابنه هيثم: “كان أبي دائماً يستخدم أسلوب الضرب معنا، لم يتحدث معنا بهدوء أبدًا، دائماً يقول لا، وهو شديد القسوة، وهذا ما دفع أختي غفران إلى التصرف بهذه الطريقة”.
أبو هشام لاجئ سوري يبلغ من العمر خمسين عاماً، مقيم في كاسل، جاء مع ابنته آلاء البالغة من العمر تسعة عشر عاماً على أمل أن يقوم بلم شمل والدتها، لكنه قرر العودة إلى سوريا فجأة، فقام بإلغاء طلب اللجوء، لكنه فوجئ بهروب ابنته فجأة ليعلم لاحقا بأنها هربت مع حبيبها، وهو شاب فلسطيني يقيم معها في سكن اللاجئين. يقول أبو هاشم: “مو قادر أعمل شي، أنا عاجز رح أرجع ع سوريا دون بنتي، أنا خسرت بنتي خسرت كل شي”.
وترى الأخصائية الاجتماعية في مدينة كاسل ناديا حلموشي أن السبب يعود بالدرجة الأولى إلى اختلاف أنماط التربية لدى الأبوين، فالتربية لدينا تعتمد على النهر والزجر بينما التربية في الغرب فتعتمد على التفاهم والحوار، وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم على القوانين الأوروبية في حال فقدان السيطرة على الأبناء وتمردهم على آبائهم، فمفهوم سيطرة الآباء على الأبناء ليس بالضرورة مفهوماً سليماً، كذلك العنف مع الأبناء هو أمر سيء ومرفوض فالأبناء الذين يعتادون على العنف سيكونون أكثر قابلية للتمرد والانحراف، أما عن هواجس بعض الأسر السورية تجاه أبنائهم فهي هواجس مؤقتة سببها الصدمة الحضارية ومستوى الحرية المتوفرة في هذه البلاد”.
وتعتقد حلموشي أن “الأمر بحاجة لفترة زمنية كي تستوعب الأسرة السورية هذا الاختلاف”، مشيرة إلى أن الواقع الجديد الذي تعيشه الأسرة السورية الآن هو واقع مفروض، وبالتالي لابد من التأقلم معه والاندماج بشتى السبل. وترى أن “الدول الأوروبية تتبع طريقا حديثا في التربية، فيها الكثير من المفاهيم الرائعة التي تنمي شخصية الطفل” وتختم: “يجب على الأسر القادمة حديثاً أن تستفيد من تلك المفاهيم الإيجابية وتحاول غرس القيم الأخلاقية أولاً وقبل كل شيء. ولاشك أن النتائج ستكون مثمرة.
مايا درويش