نزار ابراهيم. صحفي سوري مقيم في ألمانيا
سجلت ألمانيا أدنى نسبة وفيات بالقياس إلى عدد الإصابات بين الدول الخمسة الأولى المتصدرة لإصابات كورونا في الاتحاد الأوروبي؛ ويعزو مدير الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية “مايك رايان” السبب في نجاح ألمانيا نسبياً في احتواء الوباء، إلى عمليات الاختبار التي تجريها والتي تساهم في الكشف عن الإصابات الأكثر اعتدالاً وبالتالي احتوائها بشكل أكثر فعالية. وتسعى ألمانيا اليوم إلى الحفاظ على هذا الأداء قدر المستطاع، سيما أن الخبراء يحذرون من موجة تفشي أخرى لفيروس كورونا ما يتهدد البلاد مجدداً، ويفرض على الحكومة تصميم استراتيجيات احتواء جديدة وفعالة للفيروس.
ولكن أين يقع التعليم في ألمانيا من كل هذا؟ وكيف ستتعامل الحكومة الألمانية والمؤسسات التعليمية مع تحديات الوباء في بداية العام الدراسي؟ وهل تختلف الإجراءات الاحترازية من مرحلة تعليمية إلى أخرى؟ وإلى أي مدى يمكن الاعتماد والتعويل على شكل التعليم عبر الإنترنت؟ هذه الأسئلة وغيرها هي موضوع تحقيقنا.
ليست إصابة الطفل وحدها ما تخيفنا!
عبر متابعتها للتدابير الاحترازية التي اتخذتها المؤسسات التعليمية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، التقت أبواب بالمربية Charlotte Lindemann” شارلوته ليندمان” من روضة Kita Kleine Löwen”” في مدينة دوسلدورف.
- ما مدى صرامة التدابير الوقائية التي اتخذتها رياض الأطفال ضد Covid-19 لإبقاء الوضع الصحي تحت السيطرة؟
لم تكن الإجراءات الاحترازية ضد الوباء ثابتة على الدوام، فقد تم ويتم تعديل التدابير من حيث شدتها أو مرونتها، من روضة لأخرى ومن ولاية لأخرى محاولين بهذا التماشي مع مستوى تفشي الوباء في البلاد. ولكن بشكل عام، يمكن القول بأن القواعد كانت صارمة للغاية في البداية؛ فلم يُسمح سوى للأطفال الذين يعمل أحد والديهم في عمل حيوي (الشرطة، السوبر ماركت .. إلخ) بالقدوم للروضة، ما يعني 20% من عدد الأطفال المفترض في أيام الدوام الاعتيادية.
وتضيف شارلوته: “في الروضة، تم تقسيم الأطفال إلى مجموعات صغيرة، ممنوع عليها أن تتقاطع مع بعضها البعض، ويشرف عليها مسؤول واحد ثابت؛ وذلك لحصر العدوى إن وجدت بأقل عدد من الأفراد. ومنذ 8 حزيران/يونيو العام الجاري تم فتح المرافق التربوية في ولاية نورد راين- فيستفاليا Nordrhein Westfalen مع تخفيض أوقات العمل، ولكن مع السماح لجميع الأطفال بالحضور مجدداً”.
كيف بَدَتْ التحديات للمربيين للوهلة الأولى، وكيف تم التعامل معها؟
من وجهة نظري، كان التحدي الأول هو حالة عدم اليقين وقلة معرفتنا لطبيعة الوباء، فلم يكن باستطاعة أحد أن يخمن أو يعرف أو يفهم حقاً ما يعنيه الوباء. كما كان واضحاً منذ البداية أنه لا يمكننا حماية أنفسنا بشكل كاف؛ لأن تحقيق التباعد الاجتماعي مع الأطفال والمحافظة على مسافة أمان بيننا وبينهم كان غير ممكن، فعملنا يقتضي أن نكون على درجة من القرب من الطفل سواء كان ذلك أثناء الحديث أو التعليم أو اللعب أو في أوقات تناول الطعام. يمكن للأطفال فهم مبدأ التباعد جزئياً، ولكن لا يمكنهم التقيد به في أوقات اللعب أو ببساطة أثناء سلوكهم الروتيني مع بقية الأطفال.
- كيف يتعامل الأطفال مع هذه الإجراءات؟ هل يفتقدون شيئاً معيناً؟
القيود المفروضة على الأطفال ليست بالقاسية؛ بالطبع هم على مستوى من الإدراك بأنه لم يعد يُسمح للأطفال من المجموعات الأخرى باللعب معهم مثلاً. وهذه المساحات التي كانت للجميع في الماضي تبدو خالية الآن، كصالات الرياضة، أو الحلقات التشاركية التي كانت تقام بشكل دوري للتعارف أو ربما فقط لتمضية بعض الوقت لم تعد اليوم متوفرة”.
وعما افتقده الطفل أيضاً في الحضانة تقول شارلوته: “ما كان حقاً مفتقداً بالنسبة للأطفال إنما هو برنامج التحضير المكثف الذي كان يجب أن يمروا به تمهيداً لدخولهم المدرسة؛ فالانتقال من روضة الأطفال إلى المدرسة أمر بالغ الأهمية في حياة الطفل وهو تحول متزامن مع مشاعر من الضروري اختبارها بشكل صحي؛ فكان التحضير هذا العام هو مهمة الأطفال والآباء، وهذا ما كان صعباً على الأهل الذين عادة ما يكونون متحمسين أكثر من أطفالهم لولوج الأخيرين إلى المدرسة، مما أضاف أعباء أخرى عليهم”.
النتائج غير المرئية للحجر الصحي وأثرها على الطفل
- سألنا شارلوته عن آثار الحجر المنزلي على الأطفال، ومهمة المشرفين في الروضة في تجنيب الطفل هذه الآثار فأجابت:
إن معظم آثار الوباء لا تكون واضحة أول الأمر وغالباً ما يتم التعبير عنها كمصير جماعي. على سبيل المثال، وأفكر هنا في العنف المنزلي أو البطالة؛ كانت حالات العنف المنزلي -وخاصةً ضد الأطفال- شديدة التواتر خلال الحجر، وبالنسبة لنا يعني هذا أننا يجب أن نستمر في توخي الحيطة والانتباه لما يخبرنا به الطفل عن الوقت الذي قضاه في الحجر المنزلي.
وتضيف شارلوته: “لكن حتى لو لم يكن هناك ممارسين فعليين للعنف المنزلي في الأسرة، فإن العديد من المواقف العائلية شديدة التوتر تحدث على الدوام، وهي أشد وطأة على الطفل؛ غالباً ما تحدث هذه التوترات في شقق صغيرة لا يستطيع الطفل أن يحصل فيها على مساحته الخاصة بعيداً عنها. ومع تدهور الوضع المالي للوالدين بسبب عملهم لنصف الوقت المعتاد أو تسريح أحدهما نهائياً، فإنها تبدو لي بيئة خصبة لنشوء شجار وشحنها بدفعة أخرى من الضغط والتوتر”.
- وعن أثر البطالة على الأطفال تقول شارلوته:
إن ارتفاع البطالة له عواقب بعيدة المدى؛ فقد أفلست عدة شركات خلال الوباء أو اتخذت إجراءات مجحفة بحق موظفيها. والموظفون المفصولون هم أيضا آباء لأطفال، تعني لهم البطالة في معظم الحالات اختناقاً مالياً أو حتى فقراً حقيقياً، وهذا ما ينعكس على الطفل سلباً مؤثراً على سلوكه وتعليمه وتفاعله بين الأطفال في الروضة، وهنا على الدولة دعم الأهل وإيجاد عمل بديل لهم بأسرع ما يمكن، ولكن حتى نحن في دور الحضانة نحتاج إلى التركيز على المزيد من هذه الحالات بين الأطفال، خاصةً عند ملاحظتنا لعدم الاستقرار في بيئة الطفل المنزلية.
تجربة نورد راين الملفتة في التعليم عن بعد:
فيما يتعلق بالمراحل التعليمية المتوسطة والإعدادية في ألمانيا ، كان ملفتاً ما طرحته وزارة التربية و التعليم في ولاية نورد راين- فيستفاليا Nordrhein Westfalen؛ منصة تعليم مجانية لجميع المراحل من الابتدائي وحتى الإعدادي وفي المدارس العامة منها والخاصة.
تدعم المنصة المطروحة مبدأ التعلم عن بعد وتوفر غرف رقمية تشاركية، حيث يمكن للطلاب حضور الحصة الدراسية وطرح الأسئلة والاستفسارات كما هي العادة في الصف. كما وتعمل الوزارة على تطوير المنصة أو التطبيق ليكون أكثر ملاءمة للطلاب الأصغر سناً ولعينة محددة من المواد.
في البداية كانت مشكلة توفر الأجهزة الإلكترونية جدية فعلاً بسبب عدم توافرها في العديد من المنازل؛ وعليه قامت المدارس كل بحسب مموله أو داعمه بطرح مشروعات دعم فورية لتوفير الأجهزة المطلوبة، إما بأسعار رمزية أو على أساس الاستعارة، والمدارس المحلية، بحسب تصريح الوزارة، تعرف طلابها جيداً وعليه فإنها تحاول دائماً طرح عروض معقولة ومناسبة لهم.
عموماً، يمكننا القول بأن ألمانيا استطاعت أن توفر الحلول المعقولة، رغم الصعوبات التي تنضوي عليها هذه الحلول، لاستكمال الفصول الدراسية لمختلف المراحل التعليمية في البلاد. وأن التعليم وإن كان يأخذ أشكالاً مختلفةً في الآونة الأخيرة إلا أنه استمر على ذات الوتيرة التي لا تكلف الطالب وقتاً ضائعاً كما هي الحال في العديد من دول العالم، ويعد ذلك مؤشراً إيجابياً في حال دخول البلاد موجة كورونا جديدة.
اقرأ/ي أيضاً:
القوانين المدرسية في ألمانيا.. آخر التطورات ما بعد “كورونا”
افتتاحية العدد 53: كورونا ومستقبل التعليم !
بالصور: نظام التعليم في ألمانيا وأنواع المدارس فيها
مشكلتنا مع أنظمة التعليم في أوروبا وفي ألمانيا على وجه الخصوص