علاء جمعة.
يطمح المسجد المقام في إحدى جنبات كنيسة بروتستانتية إلى التجديد والليبرالية، ويفتح أبوابه للطوائف الإسلامية المختلفة على حد سواء، ولن تضطر النساء لارتداء حجاب خلال أداء الصلوات المختلطة داخل هذا المسجد.
شهدت برلين أمس الجمعة افتتاح مسجد فريد من نوعه على الأقل على مستوى ألمانيا. وترغب مؤسسته أن يصبح مسجدًا إسلاميًّا ليبراليًا، بحيث من المقرر أن يصلي ويخطب فيه النساء والرجال على حد سواء، الذي يطلق عليه اسم “ابن رشد-غوته”، نسبة للفيلسوف والطبيب العربي الأندلسي الشهير أبو الوليد محمد بن رشد، والأديب الألماني الشهير يوهان فولفغانغ فون غوته.
واستأجرت صاحبة المشروع المحامية والكاتبة سيران أطيش قاعة داخل كنيسة “يوهانيس كيرشه” البروتستانتية بحي موابيت في برلين لإقامة المسجد. وتأمل أطيش في إقامة مبنى خاص للمسجد على المدى القريب. وسيستقبل المسجد المصليين من الطوائف الإسلامية المختلفة على حد سواء، السنة والشيعة والعلويين والصوفيين. ولن تضطر النساء لارتداء حجاب خلال أداء الصلوات داخل هذا المسجد.
وتعرف سيران أطيش، ذات الأصول التركية الكردية المولودة في 20 نيسان\أبريل عام 1963 بإسطنبول، نفسها بأنها ناشطة في مجال حقوق المرأة، وتعمل كمحامية في برلين، لاسيما بالمجالات المتعلقة بقانون الأسرة و القانون الجنائي.
إعادة تعريف المسلمين بأنفسهم
وذكرت أطيش اليوم أنها قررت إقامة هذا المشروع لأنها تشعر بالتمييز ضدها كامرأة داخل المساجد الموجودة في ألمانيا. وقال عالم الدين الإسلامي عبد الحكيم أورغي، وهو من المشاركين في المشروع لوكالة الأنباء الألمانية إن هذا “المسجد فرصة لإعادة تعريف المسلمين لأنفسهم“.
وفي مقابلة مع الشبكة الإعلامية في برلين RBB نشرت الجمعة (16 حزيران\يونيو ) أكدت أطيش أنها تهدف إلى انتقاد الصورة النمطية الكلاسيكية للإسلام، ولانتقاد نمط التفسير التقليدي. وأضافت بأن النصوص الدينية التي تعود إلى القرن السابع، لا يمكن أخذها حرفيا في العصر الحديث. وتابعت المحامية سيريان أطيش أن الهدف أيضًا هو “إبراز جوانب الرحمة والسلام في الإسلام”.
وتريد أطيش أيضا عبر افتتاح هذا المسجد بدء حوار بين الطوائف الإسلامية المختلفة وذلك من أجل تغيير الصورة النمطية عن الإسلام، والوصول إلى إسلام يوحد جميع الطوائف، وترى بأن هذا المسجد سيشجع المسلمين المعتدلين على الظهور، وسيكون لهم سندًا من أجل فرض الجانب المعتدل في التفسير. وقالت أطيش أنها سئلت مرارًا من قبل الكثيرين ـ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول\سبتمبر ـ أين المسلمون المعتدلون، و أي تأثير يلعبون؟
ووفقا لأقوال أطيش فإن 15 بالمئة من المسلمين في ألمانيا ينتمون إلى جمعيات إسلامية بصفة دورية، ويشاركون بأنشطتها، لذلك هي تسعى لتشجيع الأغلبية العظمى من المسلمين إلى الانضمام إلى مبادرتها وتشجيعها.
يذكر أن أطيش في كتابها “مؤتمر الإسلام” انتقدت الجمعيات الإسلامية الألمانية القائمة مثل اتحادات إسلامية مثل اتحاد “ديتيب” التركية-الإسلامية ” وقالت إنها تتبع نهجًا محافظًا في التفسير. وكانت أطيش عضوًا في “مؤتمر الإسلام” بألمانيا قبل أن يتم قصر مشاركة الجانب الإسلامي في المؤتمر على ممثلي الاتحادات الإسلامية.
وأعلنت رابطة المثليين جنسيًّا في برلين-براندنبورغ أنها تخطط للتعاون مع المسجد الجديد. وقال المدير التنفيذي للرابطة، يورغن شتاينرت، إن برلين بحاجة إلى “إسلام مستنير” لا يميز ضد الأفراد بناء على الهوية الجنسية.
يذكر أن إحدى الكنائس البروتستانتية في مدينة كولونيا يوجد بها قاعات يصلي بداخلها مسلمون منذ عام 2012 كما يوجد بها إمام امرأة اعتنقت الإسلام تدعى ربيعة مولر.
ومن المقرر أن تنشر أطيش كتابها بعنوان “سلام، امرأة إمام. كيف أسست مسجدًا ليبراليا في برلين”، والذي تتحدث فيه عن دوافعها لتأسيس المسجد. تجدر الإشارة إلى أن أطيش تعمل منذ سنوات كمحامية وناشطة نسوية من أجل مكافحة العنف المنزلي وجرائم “القتل بدافع الشرف” والزواج القسري للمهاجرات المسلمات.
تهيئة النساء لتولي الإمامة داخل المسجد
ووفقا لتقرير أعدته DW الألمانية فإن أطيش ترغب في برنامج خاص داخل المسجد من أجل تهيئة النساء لتولي الإمامة داخل المسجد أسوة بالرجال. لذلك استضاف المسجد السيدة إلهام مانع أستاذ العلوم السياسية التي تطالب بنقاش نقدي واسع حول تفسيرات الإسلام السائدة وتؤيد بقوة مفهوم الإسلام الإنساني، وذلك لتؤم المصلين ليوم الجمعة.
يذكر أن مانع أثارت الجدل لدى إلقاؤها لخطبة صلاة الجمعة في صلاة مشتركة للرجال والنساء بإحدى مساجد العاصمة السويسرية بيرن.
ووفقا لمقابلة أجرتها معها مؤسسة إبن رشد في برلين دعت مانع إلى إسلام إنساني، يتم تحديده وفق مبادئ السببية والعقلانية. وتؤكد مانع أنه يتم تفسير “الدين بأشكال مختلفة، فيما إذا كان هو الوحي الإلهي من أعلى الوجود، وهو إلهام أو يكون حدس فيلسوف – الحقيقة هي أن هذه النواة تسعى دوما نحو الخير، هدفه ليس لخنق الشعب بتعاليمه، وإنما للمساهمة في هذا العالم لكي يصبح مكانا أفضل للعيش فيه. وهكذا فإن الهدف هو رفاهية الناس “
تجدر الإشارة إلى أن إلهام مانع تحمل الجنسيتين السويسرية واليمنية وتعيش في برن. وهي عضو مجلس إدارة المنتدى لإسلام تقدمي في سويسرا. تعمل محاضرا في جامعة زيورخ. كمدافعة عن حقوق الإنسان تكرس نفسها لموضوع الإسلام الإنساني. بالإضافة إلى العمل الأكاديمي