كثيرون من القادمين الجدد من السوريين أو العراقيين أو الأفغان، كان هدفهم الأول والأخير للقدوم إلى أوروبا عموما و إلى ألمانيا خصوصا هو تقديم مستقبل زاهر وحقيقي لأطفالهم. للأسف، فقد الجدد كان النظام المدرسي الألماني من ضمن المعاناة التي عانوا منها. لأنه يستند إلى التقييم العملي من الأساتذة من ناحية، وإلى العلامات والدرجات الجامعية من ناحية أخرى، لقد كان هذا أمرا معقدا. سنحاول هنا تقديم شرح مبسط للنظام المدرسي الألماني.
تبدأ الحياة المدرسية للطلاب عبر الحضانات والتي تسمى (Kindergarten) والتي تدعمها الدولة بشكل كامل ومباشر، ويكون تعليم اللغة الألمانية الحصة الأكبر فيها. إضافة إلى اللغة الألمانية؛ يتم تعليم بعض مبادئ الحساب والرياضيات. في عمر السابعة ينتقل الطالب إلى المدارس الابتدائية والتي تعتبر إجبارية في كل ألمانيا لجميع الطلبة بين الصفين الأول والرابع. في الصفين الخامس والسادس تبدأ المراحل التحضيرية للدراسة في الثانويات العامة، المهنية أو الفنية.
في نهاية الصف السادس تبدأ سلسلة اجتماعات بين الأهل من جهة وإدارة المدرسة والأساتذة من جهة أخرى ليتم تقديم التقييم النهائي للطلبة من قبل الأساتذة وإدارة المدرسة ومعها التوصيات الخاصة للأهل، إما للإكمال في المدارس العامة (للوصول إلى الثانوية العامة) أو الانتقال إلى المدارس المهنية أو المدارس الفنية.
بالطبع يمتلك الأهل كل الحق بوضع ابنهم أو ابنتهم في المدرسة والنظام الدراسي الذي يرونه مناسبا لهم، ولكن في أكثر من ٨٠٪ من الحالات يتبع الأهل وصية المدرسة وإدارتها لضمان المستقبل الأفضل لأولادهم.
في نهاية هذه المرحلة تنقسم المدراس إلى ثلاثة أنواع. المدارس العامة (Gymnasium)، المدارس المهنية (Realschule) والمدارس الفنية (Hauptschule).
المدارس الفنية:
المدارس الفنية هي المدارس التي تعنى بالدراسات الفنية واليدوية للطلبة. تستمر هذه المدرسة حتى الصف العاشر. بدءا من الصف الحادي عشر والثاني عشر يداوم الطلبة يومين ضمن المدرسة وثلاثة ضمن أحد المهن المختلفة التي قاموا بالحصول على قبول فيها. تنتهي المدرسة الفنية بالحصول على شهادة الثانوية الفنية ليبدأ الطالب بعدها التدريب الفني المهني لأحد المهن والتي تكون غالبا يدوية. تعتبر المدارس الفنية حاليا من أنواع المدارس التي بدأت بالزوال، حيث هنالك نقاشات دائمة لدى المسؤولين الألمان على دمج المدارس المهنية والفنية ضمن فرع واحد لتسهيل حركة الطلبة ووصولهم إلى المهن المختلفة.
المدارس المهنية:
تعتبر المدارس المهنية ذات أهمية عالية جدا في النظام التعليمي الألماني، فهي المسؤولة عن تخريج أكثر من ٨٠٪ من العمالة الحقيقية الموجودة ضمن النظام الصناعي والزراعي الألماني. تستمر المدرسة المهنية حتى الصف العاشر كما المدرسة الفنية، يحصل الطالب في نهايتها على الشهادة الثانوية المتوسطة وينتقل الطلبة بعدها إلى المدارس التخصصية أو المدارس المهنية، والتي تتراوح مدتها بين ٣-٥ سنوات حسب نوع التخصص أو المهنة المراد دراستها.
المدارس الثانوية العامة:
تعتبر الثانوية العامة أمرا رفيع المستوى حيث أنه فقط بين ٣٠-٣٥٪ من طلبة المدارس الابتدائية سينتقلون للثانويات العامة والبقية سيتم توزيعهم على مدارس مهنية وفنية. قبل عام ٢٠٠٥ كانت الثانويات الألمانية تمتد حتى الصف الثالث عشر. مع بدء تطبيق أنظمة توحيد الأنظمة المدرسية بين دول الاتحاد الأوروبي المختلفة تم تخفيض المدة إلى اثني عشر صفا تنتهي بالحصول على شهادة الثانوية العامة العلمية أو الأدبية حسب المواد التي يدرسها الطالب ويختارها في السنتين الأخيرتين من دراسته المدرسية. في نهاية الثانوية العامة يمكن للطالب الاختيار بين الجامعات الكلاسيكية، الجامعات التطبيقية، المعاهد التخصصية، المعاهد العليا للعلوم الإدارية، كليات الفنون الجميلة وغيرها من المعاهد والكليات الاختصاصية.
المدارس الموحدة (Gesamthochschule)
تعتبر المدرسة الموحدة نموذجا يحاكي الأنظمة المدرسية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث يكون طلبة الثانويات المختلفة في صفوف واحدة وفي مدرسة واحدة ولكنهم يدرسون التخصصات المختلفة حسب ما يرغبون وتنتهي هذه المدرسة بالتقديم للثانويات العامة أو المهنية أو الفنية حسب رغبة الطلبة. هذا النوع من المدارس بدأ في ألمانيا في أواخر عام ٢٠٠٠ لمحاولة زيادة دمج الطلبة بين بعضهم وتخفيف القيود المدرسية الموجودة والتي تفصل طلبة الثانويات المختفة بشكل كامل ومحاولة زيادة ربط الطلبة ذوي الخلفيات المهاجرة مع الطلبة الألمان بالشكل الأمثل.
في النهاية، كثيرون من القادمين الجدد لا يرغبون بدخول الدراسات المهنية، فهم يرونها أقل قدرا وقيمة من الدراسة الثانوية العامة والدراسات الجامعية، ولكن الإحصاءات تدل على أنّ الحاصلين على الشهادات المهنية لديهم الفرصة بإيجاد عمل بشكل أسرع وأسهل بثلاث مرات أكثر من حملة الشهادات الجامعية والتي يعتبر توظيف حامليها عبئا ماديا ضخما على أصحاب العمل من شركات ومعامل. من جهة أخرى تعتبر الدراسة الجامعية للطلبة الجامعيين من القادمين الجدد من حملة الجنسية السورية، العراقية أو الأفغانية مطلبا هاما لزيادة الاستقرار المعيشي والوظيفي وخصوصا إن كان هؤلاء الطلبة قد بدؤوا في وقت من الأوقات دراستهم الجامعية قبل اضطرارهم لمغادرة بلادهم إلى بلاد اللجوء في أوروبا وألمانيا.
د. هاني حرب
باحث في علم المناعة والجينات في جامعة هارفرد – بوسطن – الولايات المتحدة الأمريكية