نزار ابراهيم: صحفي سوري مقيم في ألمانيا
تنتشر ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب العربي في ألمانيا انتشاراً واسعاً وملحوظاً، ما يجعل المسألة في طليعة المسائل التي تطرح نفسها كخطرٍ يهدّد مستقبل آلاف الشباب من اللاجئين والمهاجرين العرب الذين يهربون من خلال تعاطيهم اليومي من واقعٍ يسوده اللايقين وفقدان المعنى.
حالة 1.. عمران: لست نادماً .. وليس هناك ما أخسره
“انتابتني الرعشة عندما دخلت إليه وكان الزَبد يخرج من فمه كما لو أنّه تعرّض للدغة أفعى”. تقول منال (18 عاماً)، شقيقة عمران، عن شعورها لحظة رأت أخاها ممدّداً على الأرض في غرفته بعدَ تعاطيه لجرعة زائدة من مادّة الكيتامين المخدّرة.
يتعاطى عمران المخدرات منذ أربع سنوات، أي بعدَ وصوله إلى ألمانيا بسنتين فقط، جاء تعلّقه بالمواد المخدّرة والإدمان عليها على خلفية تعرّفه إلى مجموعة من الشباب في حيّه في مدينة Bonn، وحول هذه التجربة يحكي عمران لأبواب:
“كنت محبطاً نتيجةً لعجزي المتكرّر في تخطّي مستوى اللغة الألمانية B2، وكنت قد سئمتُ التصرّف كما لو أنني قد جئت في الأمس إلى ألمانيا؛ أن أخرج صباحاً وأمشي بنشاط إلى المدرسة وأعود لأعمل على ترجمة النصوص ومراجعة المفردات، فتناول الطعام ظهراً، ومن ثمّ ساعات الاكتئاب ليلاً والتي تنتهي بي إلى النوم. كنت بحاجة إلى التخلّص من كلّ هذا وتجربة شيء جديد كلّياً”.
يضيف عمران:
“كان السهر مع الأصدقاء الجُدد هو ذلك الشيء الجديد؛ تجربة الجنس للمرة الأولى، شرب البيرة والكحول، تعاطي المخدرات بأصنافها، التفاعل والرقص مع موسيقى الروك أو التيكنو. كلّ ذلك كان جديداً بالنسبة لي، وكنت مصمّماً على تجربته، حتّى أصبحَ مع الوقت بمثابة نمطٍ للحياة فلا ألاحظ آثاره السلبية أو الإيجابية على نفسي”.
انغمسَ عمران في “نمط حياته” الجديد ذاك، وأخذت التجربة تجرّه إلى أخرى، والسهرة إلى سهرة، والمادّة المخدّرة إلى مادّة حتّى باتت دراسة اللغة والعمل على تطوير الذات أو العمل خارج أولويات حياته، ومع مرور الوقت اتسعت تجربته في مجال التعاطي واتسعت معها أعداد المواد التي يدمن عليها.
قبل أسابيع فقط خرج من المستشفى؛ التي دخلها إثر تعاطيه لجرعة زائدة من مادّة الكيتامين بالإضافة لمواد مخدّرة أخرى، ويخضع اليوم لمراقبة عائلية، تأخذ شكلَ الإحاطة أحياناً، بحسب توصيات الأطبّاء والاستشاريين في المستشفى
يقول عمران لأبواب عن تلك الحادثة وأثرها عليه:
“أكذب لو قلت أنّي نادم، فأنا شخص ليس لديه شيئاً ليخسره. أحبّ عائلتي ولكنّي أتعرّض لضغوط نفسية حقيقية، فأنا مكتئب تماماً، ولستُ سعيداً بحياتي هنا. لم يكن لديّ تصوّر مسبق حول الحياة في ألمانيا عندما كنتُ في سوريا، ولكن الآن أقول بأنّها قاسية جدّاً، ليس مادّياً ولكن نفسياً”.
حالة 2.. رؤى: الوقوع في الحبّ .. والوقوع في المخدّرات
لا يقتصر انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات على مجموعة نمطية من الأسباب، كما ولا يقتصر على جنسٍ بعينه لدى المهاجرين العرب في ألمانيا، ف لرؤى (26 عاماً)، طالبة أردنية تدرس الهندسة المعلوماتية في برلين، تجربة مريرة مع تعاطي الحبوب المخدّرة والحشيش، استطاعتْ تخطّيها، بعدَ سنوات من الضغط المعاناة، والنظر إليها بعين الناقد.
تقول رؤى: “إنّ الوقوع في حبّ شخصٍ ما يدفعك لفعل المستحيل”.
تعتقد رؤى أنّ السبب الرئيسي لإدمانها على المخدرات يرجع إلى علاقتها الغرامية بـأدريان، الشاب الذي تعرّفت إليه في السنة الأولى لها كمقيمة في برلين، والضغوط التي كانت تولّدها هذه العلاقة من غِيرة وعدم تقبّل لبعض المفاهيم الجنسية التحرّرية كـ”العلاقات المفتوحة” و”علاقات المنفعة المتبادلة بين الشريكين” ما أدّى إلى عدم التزامها بحدودها المتفق عليها كشريكة في علاقة مفتوحة مع أدريان، ما دفع الأخير إلى الانفصال عن رؤى “بشكل صادم ومهين” بحسب تعبيرها.
وعن علاقة إدمانها على المخدّرات بقضية انفصالها عن أدريان تقول رؤى:
“كانت نهاية العلاقة مهينة جدّاً بالنسبة لي، تعرّضت للوصم بالعديد من الأوصاف الجارحة، ما جعلني أشعر، للمفارقة، بحاجة شديدة للعودة إلى هذه العلاقة. ومع الرفض المتكرّر لأدريان كانت حالتي النفسية تسوء أكثر وتدخيني للحشيش وتناول الحبوب يزداد أكثر فأكثر”.
توقّفتْ رؤى عن الدراسة لمدّة عامٍ ونصف كانت خلالها تعمل في الصباح وتتعاطى المخدرات ليلاً برفقة أصدقائها، بعدما كانت تتعاطاها برفقة أدريان، راجيةً التخلّص من شعورها “بخيبة الأمل” التي خلّفها أدريان في حياتها.
تقول رؤى حول تجربتها مع المخدّرات:
“بدأت بتدخين الحشيش ثمّ أضفت إليه حبوب (XTCY) التي كانت تساعدني على نسيان الأمر أكثر، وفي آخر شهور تعاطيي للمخدّرات كنت أتعاطى ثلاثة أنواع من الحبّ المخدِّر، وعندها فقط أدركت ما مدى سوء ما وصلت إليه”.
أقلعت رؤى، بمساعدة حلقات معالجة نفسية في إحدى الجمعيات في برلين، عن تعاطي المخدرات واستعادت شيئاً فشيئاً توازنها، وعادت لتكمل دراستها وهوايتها في الرسم التي شَغُفتْ بها منذ الصِغَر.
وعن هذا تحدّثنا قائلة:
“لقد كانت تجربةً صعبةً، كنت مغيّبةً عن هدفي الذي جئت إلى هنا من أجله، وكنت عالقةً في دوّامة من التفاهات التي لم أتخيّل أنّها ستكون يوماً جزءً من حياتي”.
ظاهرة عامّة أم حالات فردية؟
“إنّ الاغتراب، تاريخياً وكتجربة بشرية لها مقوّماتها المميَّزة، ينطوي على سلسلة من الضغوط النفسية والاجتماعية التي تواجه المغترب عادةً، وهذه الضغوط، بطبيعة الحال، تشكّل الاختلافات الثقافية واللغوية والدينية والعرقية أساساً لها، وتَعرُّض بعض الشباب العربي المهاجر للإدمان على المخدرات لا يمكن تشخصيه إلا وفقاً لهذا المنظور، مع التسليم ببعض التنويعات بحسب اختلاف التجارب والبلدان التي تكون قبلة لهذا الشباب العربي المهاجر.” بهذه الكلمات يلخّص لنا الاستشاري النفسي والاجتماعي لؤي ماردنلي، المقيم في النمسا، أسباب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب العربي في المُغتَرَب.
أستاذ لؤي، بعدَ اطلاعك على حالة عمران. كيف تنظر إلى نجاعة الاندماج في أوروبا؟
“إنّ عمران حالة فردية، ولا يمكننا تعميمها على سبيل انتقاد سياسات الدول الأوروبية في محاولة استيعاب اللاجئين وإدماجهم في المجتمع وسوق العمل. ولكن أيضاً لا نهمل هذا التفصيل لما له من أهمّية، بل نرى أنّه عامل مضاف إلى عوامل أخرى تتعلّق بالتنشئة الاجتماعية والدينية لعمران التي قد تكون متعارضة بعض الشيء مع معايير المجتمع هنا في أوروبا”.
وماذا عن رؤى؟ إلى ما تعزو إدمانها على المخدّرات؟
“إنّ حالة رؤى أيضاً حالة فردية، وإن كانت تعبّر عن هشاشة العلاقات العاطفية في زمننا وما تنطوي عليه من أخطار لا يعيها المراهقون والشباب. وأعتقد أنّ رؤى وجدت في التعاطي مهرباً مناسباً وآلية تعويضية نفسية للدفاع عن نفسها وقضية الحبّ التي تؤمن بها”.
خاص أبواب