د. هاني حرب. باحث في جامعة هارفرد، مؤسس وأمين سر الجمعية الألمانية – السورية للبحث العلمي
العنصرية الألمانية! هي كلمة كبرنا ونحن نسمعها بدءاً من العنصرية الألمانية ضد اليهود، العرب، وغيرهم من الأعراق خلال الفترة النازية في الحرب العالمية الثانية.
خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لم نعد نسمع بالعنصرية الألمانية على الإطلاق، وخصوصاً أن علاقات سوريا مع جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) كانت في أوجها وخصوصاً في خضم نهجهما الاشتراكي/ الشيوعي، والذي ضبط بشكل كبير القيم العنصرية.
بعد توحيد الألمانيتين في العام ١٩٩١، زادت النزعة العنصرية في ألمانيا الشرقية بشكل كبير جداً، لينجح الحزب الوطني الديمقراطي الألماني (النازيون الجدد) بدخول برلمانات ولايتي ساكسونيا ومكلنبورغ فوربومرن بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١١.
في العام ٢٠١٩، تم إحصاء أكثر من ٩٥٠ حادثة اعتداء عنصرية ضد المسلمين، وأكثر من ١٧٤٦ حادثة اعتداء عنصرية ضد المهاجرين الجدد أو مناطق سكنهم. في حال قمنا بالنظر إلى هذه الحوادث سنجد العديد منها موجهاً للنواحي الدينية للمهاجرين، ثقافتهم، أفكارهم، ملابسهم، أو تصرفاتهم بشكل عام.
هذه المشاكل العنصرية الواضحة تم تسجيلها، إحصاؤها والإخبار عنها، ولكن هنالك العديد من المشاكل الضخمة التي تواجه كثيراً من المهاجرين الجدد أو حتى القدامى ولكن لا يتم التحدث عنها أو الإخبار بها.
العنصرية في الجامعات الألمانية
الجامعة بشكلٍ عام تعتبر مكاناً قدسياً للتعليم، ومساحة أمان للكثير من الأشخاص بمختلف انتماءاتهم الدينية، الثقافية أو حتى الجنسية. للأسف فإن هنالك العديد من الممارسات التي يطغى عليها الطابع العنصري تجاه الأجانب.
أظهرت دراسة بيزا الأولى في ألمانيا عام ٢٠٠١، أن الأشخاص الذين لديهم خلفية مهاجرة لديهم فرص أقل في نظام التعليم الألماني. ولكن حتى الآن، تركز النقاش بشكل حصري على قطاع المدارس، وبالكاد نلاحظ مناقشة الاستبعاد والتمييز في الجامعات الألمانية.
بالنظر إلى الأهمية الاجتماعية والثقافية والاجتماعية الاقتصادية البارزة للجامعات، فإن هذا الإهمال مذهل. تفاقمت الأزمة التعليمية بسبب التمييز الهيكلي في سوق العمل، كما أظهرت دراسة التكامل الدولي الأولى التي أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام ٢٠١٢، أن التعليم الأكاديمي لا يحمي من التمييز، إذ يتعرض المهاجرون ذوو المؤهلات العالية، على وجه الخصوص، لخطر العثور على عمل غير مناسب للتدريب.
تتكرر هذه المشكلة ضمن الجامعات الألمانية: فكلما بحثنا أعلى في التسلسل الهرمي الأكاديمي، قل عدد الباحثين الملونين أو ذوي الأصول المهاجرة الذين يعملون في هذه الجامعات. ولكنّ هذا جانب واحد فقط، حيث أن نطاق المشكلات أوسع بكثير ولا يقتصر على الأسئلة الأساسية المتعلقة بالوصول إلى التعليم العالي وسياسة التوظيف.
أظهر مسح في جامعة كريستيان ألبريشت في كيل، أن طالباً من كل ٦ طلاب عانى خلال الجامعة من مشكلةٍ عنصرية ما، وكانت المشاكل “العرقية” أساسية في حوالي نصف هذه الحالات. أما في أوسنابروك فتوصل مسحٌ مماثل إلى أن ٨٠ ممن تم سؤالهم أظهروا مواقف معادية للمسلمين و٤٠ في المائة معادية للسامية.
لسوء الحظ، لم يتم تضمين الطبقة المتوسطة الأكاديمية ولا الأساتذة في الدراسة، على الرغم من أن هذه المجموعات كصناع قرار لها سلطات وتأثير أكبر بكثير.
في دراسة أخرى قامت بها مبادرة المجتمع المدني “التنوع يقرر – التنوع في القيادة” تتضح المؤشرات على حجم الحرمان الاجتماعي والمؤسسي. في العام ٢٠١٤، تمت دراسة التنوع الثقافي في ٢٥٠ مؤسسة في برلين، وأظهرت الدراسة أن أقل من عشرة بالمائة من المناصب الإدارية لديهم خلفية مهاجرة. واحد بالمائة فقط هم من أصحاب اللون. والوضع أشد خطورة في أكبر ٣٠ مؤسسة ألمانية في القطاعين العام والخاص: هناك، تنخفض نسبة المدراء من أصول مهاجرة إلى ثلاثة بالمائة، وتنخفض نسبة الأشخاص ذوي اللون إلى أقل من واحد بالمائة. ومن المفارقات أن عدداً كبيراً من هذه المنظمات ملتزم بالتعليم الثقافي للمحرومين والاندماج.
للمقارنة: في برلين ٢٦ في المائة من السكان لديهم خلفية الهجرة، على الصعيد الوطني ٢٠ في المائة.
إن المشكلات الهيكلية الحالية تحجبها حالياً التنوعات الثقافية نتيجة تزايد تدويل الجامعات الألمانية. يتم عموماً إغفال ما يلي:
- يجب عدم الخلط بين الهجرة التعليمية وهجرة العمال من الجيل الأول، مع الحقوق المتساوية للمثقفين التربويين من الأجيال التالية.
- تنخفض النفاذية الاجتماعية والثقافية بشكل ملحوظ كلما بحثنا في التسلسل الهرمي الجامعي.
- التنوع الثقافي لا يقوض بالضرورة الامتيازات الاجتماعية.
في النهاية، من الضروري إجراء المزيد من البحوث المنهجية والشاملة عن موضوع العنصرية في الجامعات الألمانية. كما يجب توضيح سبب تجاهل موضوع “الإقصاء والتمييز العنصري في الجامعات الألمانية “حتى الآن.
الفرضية الواضحة: الأشخاص ذوي الامتياز من مجتمع الأغلبية البيضاء إما أرادوا أو لم يرغبوا في الاستفادة من هذه الدراسات وبالتالي لم يظهروا أي اهتمام في إدراك هذه المشكلة أو إيجاد حلول لها.
اقرأ/ي أيضاً:
ألمانيا في مواجهة العنصرية.. استراتيجية الحكومة والمجتمع المدني
المصطلحات العنصرية في الإعلام وعلى ألسنة بعض الألمان
أخبار ألمانيا: وزارة الداخلية ترفض إجراء دراسة عن العنصرية لدى الشرطة الألمانية