ريما القاق: ماجستير في إدارة النزاعات بين الثقافات المختلفة
يوماً بعد يوم، تظهر إشكاليات جديدة تثير النقاش والجدل بين اللاجئين في ألمانيا، ابتداء من المشاكل الأساسية كالإقامة ولمّ الشمل وإيجاد البيت إلى تعلم اللغة وإيجاد عمل، وليس انتهاء بمواضيع الزواج وتربية الأطفال.
منذ بداية قدوم اللاجئين، بدأ حديث الأهالي عن الخوف على أولادهم من الثقافة الغربية المنفتحة، لكن بالسر نوعاً ما. فكثيراً ما عبرت الأسر السورية عن خوفها على أبنائها وبناتها من مواضيع عدة، ولكن عادة لا تخرج هذه النقاشات إلى السطح، وذلك لخوفهم من أن يتم أخذ الأطفال منهم من قبل مكتب رعاية الناشئين (اليوغند أمت).
من أبرز مخاوف الأسر المسلمة انتقال أبنائهم وبناتهم للديانة المسيحية والتحرر الجنسي في سن مبكرة. تكثر الأمثلة والقصص حول هذين الموضوعين؛ فقد عبرت والدة سورية عن حيرتها حول كيفية التعامل مع ابنها ذي العشر سنوات، فهي لا تحبذ أن يكون منفتحاً على العلاقات مع صديقاته مثل ما يحدث في المجتمع الألماني، بل أن يلتزم بقيم المجتمع الذي قدموا منه.
والد سوري آخر لم يتوان عن نقل ابنته من المدرسة عند إصرار الإدارة على أخذها إلى مخيم لعدة أيام وعدم الرضوخ لرغبته بمنعها، بل إنه اضطر لتسجيلها في مدرسة خاصة لتلافي مثل هذه الضغوطات. درس السباحة ولباس السباحة موضوع آخر يثير امتعاض بعض العائلات المحافظة.
لا يقتصر هذا الارتباك على الأهل، بل على الكوادر التدريسية والإدارية التي تحاول تفهم الثقافة الأخرى من جهة، لكنها تصرّ على قيم مجتمعها ووجوب سوادها من جهة أخرى. كما تحاول الدفاع عن حقوق الأطفال بالتمتع بطفولة كاملة دون تعقيدات، وخصوصاً الحفاظ على مبدأ المساواة الذي يضمنه القانون الألماني للأطفال جميعاً.
الثقافة الجنسية في المدارس
من أبرز المواضيع التي أثير الجدل حولها ولا يزال، موضوع دروس الثقافة الجنسية في المدارس الألمانية. فقد اعتبره البعض خرقاً سافراً لثقافتنا العربية، كأنه الدافع كما يقال ”لفتح عيون أطفالنا على هذه الأشياء منذ الصغر“، ويبالغ ويضخم أخرون الموضوع ليعدونه دعوة صريحة للأطفال لممارسة الجنس باكراً. وأكثر الشكاوي كانت بسبب الصور والتعرض لموضوع المثلية الجنسية.
يبدو هذا الشرخ غير مفاجئ لأناس أتوا من مجتمع يعتبر الحديث فيه عن أي موضوع متعلق بالجنس، الأعضاء التناسلية، الدورة الشهرية أو أي موضوع ذي صلة أمراً بالغ الحساسية ومسبباً للإحراج.
بادئ ذي بدء، إن تجاهل الحديث بهذه الأمور ووعيها أمر يحمل الكثير من الأذى النفسي والجسدي. كما لا يعني تلقي هذا النوع من الثقافة إقدام الأطفال على ممارسة الجنس بسن مبكرة بالشكل الذي يتصوره الأهل، بل إن معرفة المخاطر المحتملة المرافقة للجنس وكيفية الحذر منها يدفع الكثيرين إلى تجنبه في هذا السن.
بالإضافة إلى أن هذه الحصص تحتوي على معلومات علمية قيمة تساعد الأطفال على فهم التغيير الجسدي والنفسي الذي سيمرون به أثناء فترة البلوغ، كما أنها تحصنهم من الأفكار المغلوطة وتحميهم من التوجهات غير الصحية التي يمكن أن يلجأوا إليها مثل المجلات أو المواقع الإباحية. فكم كثرت القصص عن الصدمات النفسية والتصرفات الخاطئة الناتجة عن الجهل في مجتمعنا العربي، وكم أدى الخجل للسؤال والاستفسار إلى مشاكل نفسية مثل الكبت الجنسي، التحرش وغيرها من الانحرافات الجنسية إضافة إلى عدم فهم الأمراض أو المشاكل الجنسية، واستخدام علاجات أو تأويلات غير طبية قد تفاقم المشاكل بدل من حلها!
لعل خير من وثق هذه الحالات وآثارها الدكتورة نوال السعدواي، فكما ورد في كتبها، قد يؤدي الجهل الجنسي في بعض الحالات إلى جرائم قتل أو أذية جسدية لا يستهان بها.
من جهة أخرى، لا يمكن قمع فضول الأطفال بكافة المراحل وخصوصاً عند دخولهم سن البلوغ، فوجود مثل هذه الحصص المدرسية هو أمر مفيد وداعم للأهل، ولكن قد يبقى الخجل والحساسية عائقاً أمام انفتاح الأهل للتحدث مع أطفالهم، وهنا تقوم المدرسة والكادر التعليمي المؤهل للقيام بهذا الواجب الذي لا بد منه. وحتى بوجود انفتاح ووعي وقابلية من الأهل للتحدث بهكذا مواضيع، يبقى من الأفضل تولي أصحاب الاختصاص والخبرة هذا الأمر، فلكل مرحلة عمرية من الطفولة مفرداتها ومواضيعها التي يجب مراعاتها.
الثقافة الجنسية والتحرش
أخيراً، قد تحمي التوعية الجنسية الأطفال من التحرش الجنسي بعد وعيهم بجسدهم وبالجنس والفرق بينه وبين التحرش. وقد يكون هذا حقيقةً أهم دور تلعبه الثقافة الجنسية، فكثير من قصص التحرش الجنسي بالأطفال تتم عن طريق فرد أو صديق من العائلة دون وعيهم بالأمر أو بكيفية التصرف إزاءه إلى أن يفوت الأوان.
يمكن للأهل الذين يجدون صعوبة في تقبل الموضوع أن يتحدثوا مع المرشد أو المرشدة في المدرسة لأخذ معلومات وافية عن هذه الدروس، محتواها، وتبعاتها، ومناقشة مخاوفهم والاختلافات الثقافية من وجهة نظرهم، والنظر إلى الموضوع من منظور علمي بحت. والأهم يجب عدم الإصغاء إلى الدعوات المبالغ بها وغير المبنية على أي أساس علمي حقيقي، والتي تنذر بالخطر من هذه الدروس، فالخطر الحقيقي في أي أمر هو الجهل به!
اقرأ/ي ايضاً للكاتبة: