لا قوة في العالم قادرة على انتزاع مدمن مشدوه أمام لعبة كمبيوتر، تمضي الحياة في الخارج وهو عالق تماماً في لعبته. مدمن آخر يمضي ساعات يومه على الإنترنت بحثاً عن محتوى إباحي.
إنه الإدمان في الحالتين: إدمان الإنترنت والجنس. ثنائي قاتل اجتماعياً وسلوكياً بحسب الأخصائيين يطلقون عليه اسم: الإدمان السلوكي. هذا المرض المستجد، جعل من الأخصائيين في الدول المتقدمة يتسابقون على افتتاح عيادات طب نفسي متخصصة في علاج الإدمان السلوكي، وأحدث الدول التي قامت بافتتاح هذا النوع من العيادات هي سويسرا.
في مدينة بازل فتحت عيادة خاصة للعلاج من الإدمان السلوكي بابها الصيف الماضي كأول عيادة في سويسرا متخصصة في العلاج السريري للإدمان السلوكي. قد لا يبدو الأمر مهماً بالنسبة لغير المدمنين على الإنترنت والجنس، لكن تخصيص عيادات طبية للعلاج من صنفي الإدمان يمثل أهمية بالغة في الدول الصناعية. موقع سويس إنفو أجرى حواراً مع غيرهارد فيزبك، مدير عيادة علاج الإدمان السلوكي في بازل، ليشرح أين بيدأ الإدمان وما الفرق بين الهواية، كالرقص مثلاً، والإدمان. السلوك المتكرر والرغبة الشديدة في القيام بهذه الهواية لا يكون بالضرورة إدماناً، حسب قوله مؤكداً أن الهاتف الخلوي في حد ذاته ليس هو ما يصنع الإدمان، وإنما استخدامه يفعل ذلك.
عادة سيئة أم إدمان؟
يضع فيزبك الخطوط العريضة التي يمكن أن تساعد في معرفة ما إذا كان ما نقوم به مجرد عادة سيئة أم إدماناً، كأن ندرك أن الشخص المدمن يكون فريسة للسلوك المفرط ولا يستطيع التحرر من سيطرته، ما يولد المعاناة ويفرز آثاراً سلبية على الصحة والعقل والحياة الإجتماعية والوضع المالي. ولمعرفة ما إذا كان ما نقوم به مجرد عادة سيئة أم إدماناً سنحتاج أن نحلل عواقب السلوك، على سبيل المثال هل مشاهدة التلفزيون أو استخدام الهاتف المحمول طوال اليوم يخلق لنا مشاكل في مكان العمل؟ هل يجعلنا نتخلى عن الصداقات والهوايات؟ هل أدخلنا في دوامة الديون؟ هل تصاحب ذلك أفكار انتحارية؟ ولو كانت الإجابة على الأسئلة السابقة أو على أغلبها هو نعم فهذا يعني أننا أمام خطر الإدمان المرضي.
خطر الإدمان تصاحبه أمراض أخرى، فنسبة كبيرة من الأشخاص الذين يُعانون من التبعية السلوكية يكونون عرضة للإكتئاب أو القلق أو تشتيت الإنتباه أو فرط النشاط أو اضطرابات في الشخصية أو الإعتماد على التبغ أو المخدرات أو الكحول. وهناك أوجه تشابه كبيرة بين مدمن الكمبيوتر ومدمن المخدرات، ففي كلتا الحالتين الشخص يعاني، ولا يستطيع أن يجد بنفسه مخرجاً، أما الفرق بينهما فهو أنه في حالة الإضطراب السلوكي فإن التبعية للإدمان السلوكي تكون دون تأثير مادة مخدرة، كما أن الإمتناع عامل أساسي في العلاج بالنسبة لمدمني المخدرات أو الكحول، وهو أمر مستحيل بالنسبة للذين يعانون من التسوق القهري أو الإلتصاق بالكمبيوتر، لأن الأساس في الفكرة ليس المنع المطلق من الإنترنت، بل فقط المحتوى الذي سبّب المشكلة، كالمواقع الإباحية والألعاب الإفتراضية.
علاج إدمان الإنترنت يؤكد فيزبك أن أغلب المرضى الذين يلجؤون إلى العلاج لا يفعلون ذلك بسبب الإدمان السلوكي وإنما لأعراض سلبية أخرى مترتبة عليه كالديْن، أو مشاكل في مكان العمل أو في العلاقة العاطفية، وقد يستدعي العلاج معاملة فردية أو جماعية، وإن لزم الأمر، يمكن اللجوء إلى الأدوية، وقد تقتضي بعض الحالات علاجاً طبيعياً أو وظيفياً أو حركياً، ومتوسط فترة العلاج تمتد ستة أسابيع على الأقل.
وعلى غرار الإدمان المادي مثل المخدرات، الكحول، والتدخين، الذي يعود فيه المدمنون إلى إدمانهم مرة أخرى في مرحلة “الانتكاسة” يمكن كذلك أن يعود مرضى الإدمان السلوكي إلى إدمانهم، فالإنتكاسة من ضمن أعراض المرض. لتجنب تداعيات الإدمان السلوكي ينصح فيزبك بأن تبدأ الدول تعليم الأطفال في المدارس كيفية التعايش مع وسائل الاتصال الجديدة، ليعرف الناس في مرحلة مبكرة أخطار الإنترنت وكيفية تجنبها، ومنها عدم القدرة على قطع الإتصال، والميل إلى إهمال النوم والواجبات المدرسية والحياة الأسرية. عربياً، بدأ الكثير من المعالجين النفسيين والأطباء النفسيين في تقديم دعم لمن يحتاج التخلص من الإدمان السلوكي.
وكانت الجزائر سباقة في هذا الخصوص حين شرعت عام 2016، بإنشاء أول مركز للعلاج من إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وتقول دراسة نشرت عام 2014 إن 6 ٪ من مستخدمي الإنترنت في العالم هم مدمنون، وأكثر المناطق إدماناً على الإنترنت في العالم هي الشرق الأوسط حيث تصل إلى 11٪.
المصدر: رصيف22
إقرأ/ي أيضاً: