نزار ابراهيم صحفي سوري مقيم في ألمانيا
لاشك في أن العمالة الأجنبية في ألمانيا وخصوصاً من هم من خلفية اللجوء، تواجه ظروف عملٍ مختلفةٍ تماماً عما كانت في البلد الأم، سواء من حيث قانون التوظيف، وبيئة العمل وأساليب التواصل. ورغم ذلك تمكن آلاف اللاجئين من إثبات مواقعهم في شركات ومعامل ومؤسسات ألمانية، وحصل الكثيرون على عقود عملٍ دائمة بعدما تجاوزوا بنجاح الفترة التجريبية واندمجوا في بيئة العمل. وهناك قصص نجاحٍ كثيرة في هذا المجال، لكننا سنتعرض هنا للوجه الأسوأ ونستعرض بعض التجارب السيئة التي تعرض لها لاجئون في سوق العمل الألمانية.
كورونا لا تستثني أحداً..
لم تنجُ العمالة المهاجرة من موجات الفصل التي طالت العاملين منذ اشتعال أزمة كورونا وحتّى تاريخنا هذا، ومهند الحسين (شاب سوري يعيش في ولاية سارلاند الألمانية) واحد من هؤلاء العمّال والموظّفين، فَقد فُصِلَ من عمله في مايو/ أيّار من هذا العام إلى جانب آخرين، يقول مهند: “فصلت من عملي، ولم أعد أملك مصدر رزق، بعدها تعرضت لمضايقات من مالك المنزل الذي أقطنه لتأخري في دفع الإيجار؛ واشترط لإعطائي مهلةً للدفع أن أدفع الإيجار مضاعفاً”.
استشار مهند أحد المحامين السوريين: “فأخبرني أنّ صاحب المنزل لا يمكنه طردي؛ ﻷنّ هذا غير مذكور في العقد، وإن فعل ذلك فيمكن معاقبته وفق القانون الألماني الذي منع أي مؤجّر من طرد مستأجرٍ في أزمة كورونا. وعندها فقط استطعت التقاط أنفاسي..”. وبعد شهر ونصف الشهر حصلت على عقد Minijob/عمل بوقت قصير، وما زلت حتّى اليوم، أتدبّر أمري من عملي هذا ومن إعانة مركز العمل ريثما تنتهي هذه الأزمة”.
خمسة عشر عاماً من التدريس غير كافية!
تبدو مشكلة عدم احتساب الخبرات السابقة للأجانب واحدةً من أهمّ التحدّيات التي يواجهها اللاجئون في سوق العمل الألمانية؛ لا سيّما الخبراء في مجالات التعليم والصحّة وغيرها من المجالات الحسّاسة والدقيقة.
وأحد من تعرض لهذه التجربة المؤسفة رامي اللاذقاني (43 عاماً)، وهو أستاذ رياضيات خريج جامعة حلب، عمل على مدار خمسة عشر عاماً كأستاذ لمادّة الرياضيات في مدرسة إعدادية في حلب. وقد تحدث لأبواب عن المشكلة وتأثيرها على أصحاب الخبرة الأجانب في ألمانيا.
لم يتخيّل رامي في حياته أنّه سيضطر للعمل خارج اختصاصه، وقد أقدم على كلّ الخطوات التي اعتبرها ضرورية في ألمانيا لضمان عودته السريعة إلى مجال عمله كأستاذ للرياضيات، ولكنّ ذلك لم يحدث! سألت رامي: هل كانت لديك أدنى فكرة لأيّ حدّ بإمكانك المراهنة على شهادتك الجامعية هنا في ألمانيا. وما هي الأسباب التي حالت دون مباشرتك العمل بها؟
“إنّ الأمر متعلّق بالقانون، حيث ينصّ قانون التأهيل التربوي في ألمانيا على وجوب حصول الشخص على شهادتي تخرّج على الأقلّ للسماح له بالعمل كمعلّم صفّ، بغض النظر عن مستوى الشهادة المكتسبة. فمثلاً في حالتي؛ كخريج رياضيات من جامعة حلب، إحدى الجامعات المعترف بشهادتها في ألمانيا، احتجت إلى شهادة من أيْ فرع آخر بجانب شهادة الرياضيات ودبلوم التأهيل التربوي، الفيزياء مثلاً أو الجغرافيا لا يهمّ. وحال هذا دون قدرتي على مزاولة مهنتي القديمة كأستاذ، كما أن للعمر دورٌ في ذلك فقد تخطّيت الأربعين عاماً. ولهذه الأسباب قررت عدم المراهنة على هذا الطريق غير المضمون، والذي سيحتاج مهارات لغوية عالية، كما سيتوجب علي العمل سنة كاملة على الاقلّ كمساعد مدرّس، من أجل فهم ماهية النظام التعليمي ولاكتساب اللغة العلمية التي تؤهّل المدرس لكي يقف بالسنة التالية منفرداً أمام طلّابه مزاولاً مهنته”.
ويضيف رامي: “للأسف كغيري من الخريجين لم تتوفّر لنا هذه المعلومات منذ البداية، والتي كانت لتوفّر لهم ولي الكثير من الوقت، كما كانت ستسهل توظيف خبراتنا وتلقي المزيد منها ودمج خبرات متعدّدة سواء تربوياً أو تعليمياً، مما كان سيشكل إثراءً للنظام التعليمي أكثر منه معوّقاً له”.
تخصصك.. وراء ظهرك!
بعدما تعذّر على رامي العودة لعمله كأستاذ للرياضيات في ألمانيا، بدأ العمل في روضة أطفال في مدينة دوسلدورف، في محاولةٍ منه لسبر مرونته في المهنة بعد خمسة أعوام على هجرانها، كما بدأ دراسة الماجستير – اختصاص رياضيات بجامعة بوخوم، ويقول عن ذلك: ” أعمل حالياً فقط لثلاثة أيّام بالأسبوع لأدرس وأحضّر للماجستير فيما يتبقّى من الوقت، و أريد معرفة إلى أي حدّ ما زال المجال يناسبني وإن كنت سأعتمده كعمل ثابت في المستقبل”.
أما بخصوص تكافؤ الرواتب ما بين الوافد والمحلّي فيعتقد رامي أن هناك فارق بين من يحمل شهادة أجنبية وبين من تخرّج من إحدى الجامعات الألماني: “لاحظت أولاً أن الخريجين الأجانب يقبلون أي عرض عملٍ بسرعة بغض النظر عن الراتب، وهذا ما لا يقبله خريجو الجامعات الألمانية؛ حيث أنّهم لا يبحثون عن الاعتراف المجتمعي أو الأحقّية مادياً وضرورة الاستقلال للحفاظ على موطئ قدم في البلد كحال المهاجر أو اللاجئ مثلاً، وثانياً خريجوا الجامعات الألمانية لاسيما من أصحاب الجنسية أو الإقامة الدائمة في ألمانيا لهم حرية التنقّل ضمن ألمانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى مما يوسع فرصهم وخياراتهم”.
Bewerbungen إلى ما لانهاية
أغلب من التقتهم أبواب أرسلوا عشرات طلبات التوظيف التي قوبلت بالرفض أو التجاهل في أحيان كثيرة، ولاشك أن تحديات إيجاد فرصة عمل تختلف باختلاف الاختصاصات؛ فبالنسبة لخريجي الحقوق مثلاً لا يسمح لهم بالترافع كمحامين، وبالتالي المساحة المتاحة لهم هي مجالات استشارية أو غيرها، وتزداد فرصهم في سوق العمل عند دراسة الماجستير في ألمانيا، وتقول غادة عدرا وهي محامية في الثانية والثلاثين من العمر أنها قدمت عشرات الطلبات للتوظيف ولم تتلقّ غير الرفض غالباً بسبب عدم كفاية اللغة رغم أنها تجيدها بمستوى C1، ولكن ليس بما يكفي لفهم روح المجتمع والقانون وخلفياته بالألمانية وهو أمرٌ سيعانيه أي أجنبي في مجالٍ كهذا بالمقارنة مع شخص ألماني أو درس في جامعات ألمانية. تقول غادة وزميلات أخريات بعدما أصابهن الإحباط “فقدت الثقة بآلية المقابلات وطرق النجاح”، بالنسبة إلى عشتار رحموني التي تشاركهم نفس المعاناة “يبدو أن أرباب العمل هنا لا ثقة لديهم باللاجئين ولا سيما النساء منهم”.
لكن من جهته خالد الأحمد يعتبر أن الطريق الأفضل إلى سوق العمل الألمانية هو البراكتيكوم، حيث يتمكن المهاجر من تحسين لغته والتعرف على بيئة العمل وإثبات جدارته، وكذلك بناء علاقات جديدة في مجالات العمل والتي يعتبرها كثيرون هامة بمقدار أهمية التحصيل العلمي، إذ هي قادرة على فتح أو إغلاق الباب أمام الفرص. ويشير خالد إلى أنه خاض تجربة جيدة في مجال العمل في ألمانيا، وأن أرباب العمل يتعاملون بجدية مع طلبات التوظيف والخبرات الفعلية للمتقدم بغض النظر عن جنسيته، لكنّ بعض الحوادث العنصرية واردة دوماً وفي أحسن الأحوال الصور النمطية.
عنصرية، صور نمطية، أم مجرد مزاج سيء..
الأطباء أيضاً أمامهم طريق طويل للدراسة والتعديل في ألمانيا ومن ثم بدء العمل في المشافي الألمانية مما يستغرق سنوات من الجهد الشاق بعد كل سنوات عملهم وخبراتهم في بلدانهم الأصلية، يقول الدكتور حسن أحمد عن تجربته الشخصية؛ إن أول انطباع واجهه من زملائه الأطباء الألمان هو أنه عربي ومسلم قادم من بلد حرب يقتل فيها الناس بعضهم البعض دون هدف. لكن الدكتور حسن يؤكد أنه بعد فترة تمكن من خلال عمله من تغيير هذه الأفكار المسبقة والانطباعات السيئة، وكسب احترام وثقة زملائه. وهو لم يواجه أي تمييز في مكان عمله لا من حيث الرواتب أو المناوبات، ويتحفظ على استخدام كلمة “العنصرية” فهي “كلمة كبيرة” ولا تمثل الوضع العام، ويقول أنه قد يصادف مواقف مثل: أهل أحد المرضى قالوا لي “بدنا نحكي دكتور ألماني!” أو مثلاً أن يسأل المريض “من أين أنت؟” وهذا بحد ذاته سؤال عنصري.
تتفهم ديما عبد المولى وهي تعمل محاسبة في شركة تجارية إنه “في أحيانٍ كثيرة يكون السبب الفعلي للسلوكيات المسيئة في مكان العمل هو اختلاف الأمزجة والضغط وليس العنصرية”. رغم ذلك هناك حالات يتعرض فيها العامل أو الموظف لتصرفات عنصرية من قبل رب العمل، أو استهتار بالخبرات والمؤهلات السابقة، وأحياناً مضايقات أو تنمر من بعض الزملاء، وهذا يتجلى أحياناً في السخرية أو عدم التسامح مع الأخطاء البسيطة، وعدم تفهم الزملاء في العمل أنها كمهاجرة لا تعاني فقط من اختلاف اللغة واختلاف طبيعة العمل والبرامج وتقسيم العمل، بل كل شيء حتى أساليب الناس في التعامل وتقسيم المكاتب وأوقات الاستراحة، وكل هذه الأمور تشكل ضغطاً مضاعفاً عليها، والألماني غالباً لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن تفهم هذه المشكلات وهذا مفهوم طبعاً.
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً:
النساء المحجبات في سوق العمل في ألمانيا
أرقام وإحصاءات.. هكذا تأثرت سوق العمل الألمانية بأزمة كورونا
قانون الاعتراف بخبرات العمل الأجنبية في ألمانيا