منذ انطلاقة الثورة السورية دخلت دير الزور الحراك الثوري، وشهدت ساحاتها مظاهرات عارمة في منتصف عام 2011. ومع نهاية 2012 كان الجيش الحر قد حرر الريف كاملاً وعدة أحياء من المدينة.
قوبل الحراك بتصعيد من قبل قوات الأسد، فمن حملات الاعتقال التعسفي إلى مجازر النظام في أحياء الجورة والقصور والمطار القديم وغيرها، عدا عن القصف المتواصل. في محاولاتٍ للضغط على الحاضنة الشعبية للثورة. وفشلت هذه المحاولات رغم الفوضى التي شهدتها المحافظة، والصراع الذي ساعد النظام وحلفاؤه بتأجيجه وانتهى بسيطرة داعش على دير الزور منتصف عام 2014، وخروج الجيش الحر.
فصل جديد من معاناة المدنيين بدأ مع دخول داعش:
حاول التنظيم فرض نمط جديد بدأ بتصفية ناشطي الثورة، والتضييق على المدنيين الذين رفضوا وجوده كرفضهم للنظام، لكن سياسة التصفيات والاعتقالات والتغييب القسري مكنت التنظيم من السيطرة، فقُتل الآلاف إما بسبب فتاوى داعش أو قصف طيران التحالف الذي دخل عنصراً جديداً في المعادلة بذريعة الحرب على الإرهاب متسبباً بتهجير قرى بأكملها، في حرب كان الخاسر الأكبر فيها هم المدنيون.
بين داعش وطيران النظام والروس وحصارهم للمدنيين، وبين قصف التحالف، اضطر الأهالي للنزوح الداخلي والخارجي، لاسيما أن النظام وحلفاءه اعتبروا كل من في المحافظة هم من عناصر داعش. في وقتٍ كانوا يعانون فيه من ويلات التنظيم وتقطيعه للأيدي والرؤوس، عدا عن معاناة المرأة من فتاوى التنظيم ومنعها من مغادرة منزلها ما لم تحقق شروط اللباس والنقاب والمحرم، كما حرم الأطفال من مدارسهم بسبب منع التدريس بمناطق داعش.
كل هذا جعل من النزوح الداخلي الخيار الأمثل:
كان الريف الشرقي على الحدود العراقية يحظى آنذاك بهدوء نسبي، فعدد الغارات أقل، مما يبعد الموت قليلاً عن أطفال العائلات الهاربة. اللجوء إلى الدول المجاورة هو الحل الآخر، والذي أصبح روتيناً لجميع المناطق المستهدفة. وفي بداية مراحل اللجوء كان الوصول للحدود التركية سلساً، بسبب سيطرة الجيش الحر على معظم الطرق. ولكن مع سيطرة داعش على الرقة وحلب وأريافها أصبح الخروج يحتاج لموافقات التنظيم ودواوينه (الحسبة والشرطة).
مع قرب انتهاء معركة الرقة واقتراب إعلان معركة ديرالزور، في سباقٍ بين النظام وحلفائه من جهة، وقوات سوريا الديموقراطية وحلفائها من جهة أخرى، واشتداد القصف على المدنيين، ازدادت نسبة النزوح هرباً من القصف ومن إعلان تنظيم داعش التجنيد الإجباري على حدٍ سواء.
كانت طرق الهروب محددة بثلاثة طرق أساسية:
وجميعها تبدأ بالهروب من مناطق داعش التي لم تعد تسمح بمغادرة أراضيها، فصار الهروب يتم عن طريق مهربين يتقاضون مبالغ ضخمة لإخراج المدنيين تتراوح بين 200 و400$ للشخص، لإيصاله لمناطق سيطرة قسد في الرقة والحسكة، حيث تستقبلهم المخيمات، أو إلى البادية على الحدود الأردنية حيث مخيم الركبان.
معاناة المخيمات واحدة، فهي تفتقر للرعاية والمرافق الصحية، والطعام والماء الصالح للشرب، عدا عن المعاملة اللاإنسانية للقائمين عليها. لكنّ المعاناة الأكبر كانت في الوصول لمخيمات الحسكة حيث الطريق صعب مليء بالألغام، عدا عن الحر الشديد والعطش، مما تسبب بموت الكثيرين، وما زاد من معاناة النازحين داخلها اتهامهم بأنهم من عناصر داعش بما فيهم العجائز والأطفال والنساء، فكان يتم أخذ أوراقهم واحتجازهم لعدة أشهر. المفرّ إذاً إما الاعتماد على مهرب للخروج من المخيم، أو كفيل كردي، مما يستلزم في الحالتين دفع مبلغ مالي يصل لـ 400 $ للشخص، وحتى بعد الخروج يبقى احتمال الاعتقال والإعادة إلى المخيم من قبل حواجز قسد وارداً.
المعاناة الأكبر تكمن في اشتداد المعارك على جميع الجبهات:
تقدم قوات النظام بات يهدد حياة الأهالي أيضاً، نتيجة الأعمال الانتقامية التي يرجح أن جنوده سيقومون بها كما فعلوا في مرات سابقة، وحتى التجاء المدنيين إلى شاطئ الفرات في خيم من البطانيات والشوادر، لم يمنع استهدافهم من قبل الطيران الروسي الذي يعتبر كل شخص في ديرالزور عنصراً في داعش، موقعاً خلال 72 ساعة 153 مدنياً. فيما يستمر الناشطون بتوثيق أعداد الشهداء والنازحين.
من أصل مليون و600 ألف هم تعداد سكان محافظة دير الزور ، نزح حوالي 800 ألف خارجها، والباقون أسرى يستخدمهم التنظيم كدروع بشرية أو كأهداف للطيران. ورغم كل ما جرى ويجري للمدنيين، مازالوا يؤكدون على ثورتهم ومبادئها ويرون أن انتهاء معاناتهم يبدأ برحيل نظام الأسد، كخطوة لزوال الإرهاب، ويؤكدون أنهم ليسوا حاضنة لداعش. لهذا ندعو المجتمع الدولي لدعم الحل السياسي الذي لابديل عنه لمحاربة الإرهاب، بعد أن تجاوزت مصالح الدول معاناة السوريين .. مدنيو ديرالزور ليسوا دواعش هم ضحايا جميع أنواع الاستبداد.
فراس علاوي. كاتب سوري
اقرأ أيضاً:
الموت ومقاماته*
مالك جندلي يجابه الحرب…