يعتبر السوري فراس الشاطر الذي يعيش في العاصمة الألمانية برلين، أحد أهم النماذج الحقيقية لقصص النجاح والنجاة، فبعد اعتقاله في سوريا لعدة مرات عند اندلاع الثورة السورية ومشاركته فيها، جاء إلى ألمانيا وحقق نجاحًا باهرًا، ولم يتوقّف نجاحه فقط في بلده الجديد، بل جذب اهتمام أهم وسائل الإعلام العالمية، وتم اختياره من مجلة تايم كأحد قادة الجيل القادم.
رامي العاشق – برلين
من هو فراس الشاطر؟
فراس الشاطر، شاب سوري، لاجئ سوري، يعيش في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، يحاول تحقيق حلمه وصناعة صورة جميلة عن بلده وعن نفسه، كما أنه يحاول بناء مستقبل شخصي له. ولد فراس لأبوين سوريين من مدينة حمص، وعاش في سوريا حتى عام 2013، كما شارك في الثورة الشعبية التي جرت في بلده، واعتقل على إثرها لعدة مرات، يقول الشاطر لأبواب: “كنت طالبا في سوريا، تركت دمشق، وعملت في مجال الإعلام في شمال سوريا، ثم عملت مع مؤسسة ألمانية “فيلم بيت” في مجال الإنتاج والتصوير، ودعوني إلى إكمال الفيلم في ألمانيا وبذلك أتيت إلى هنا”.
فراس الشاطر: المرحلة التي نمر بها بحاجة إلى نقد الواقع
جاءت فكرة “سكر” -سلسلة الفيديوهات التي يقوم بتصويرها الشاطر- من خلال متابعته للإعلام الألماني، ولاحظ أن صوت اللاجئين غير موجود، وهناك دائمًا من يتحدث عنهم، لا معهم، وبحكم عمله في إنتاج الأفلام، قرر البدء بهذا المشروع، واختار اسم سكر، لأن الكلمة ذاتها في الألمانية والعربية. أنتج الحلقة الأولى في مطلع العام الجاري، وكان عنوانها “من هم الألمان؟” وحصدت أكثر من ثلاثة ملايين مشاهدة على مواقع التواصل خلال أسبوعين، وانهالت بعدها وسائل الإعلام الألمانية والدولية لتتحدث إليه، ولكن ما هو سر هذا النجاح؟ يجيب الشاطر: “سر نجاحي هو المرحلة التي نمر بها، فهي بحاجة إلى شخص ينقد الواقع دون اللجوء إلى خطاب الكراهية ودون حقد، خاصة أن الخلاف بين المؤيدين لقدوم اللاجئين والمعارضين لهم، تحول إلى استقطاب بين طرفين ألمانيين باسم اللاجئين، ولم يفسح المجال للاجئين لأن يتحدثوا في هذا السياق، أنا أعالج المواضيع بطريقتي الخاصة ومن وجهة نظري ودون إساءة لأحد”.
فراس الشاطر: استطعت تغيير رأي الكثير من المعارضين للاجئين
تثبت تجربة فراس الشاطر أن الكوميديا هي الأسرع والأقرب للناس، والأكثر قدرة على التأثير، وما يميّز هذا الشاب الصغير في السن، أنه قدّم نفسه بشكل جيد في وقت قصير جدًا، وهذا أمر نادر الحصول في بلد جديد وثقافة جديدة، والأهم من ذلك، أن استطاع خلق الضحكة على وجوه الألمان، وهذا أصعب ما في الأمر، أن تفهم كيف يضحك الآخر وعلى ماذا، يعني أنك تفهم ثقافته بشكل جيد، أما أن تستطيع إضحاكه بلغته، فهذا يعني بالتأكيد أنك شخص ذكيّ ومبدع، يعلّق فراس: “كثير من الأشخاص المعارضين للاجئين، استطعت تغيير رأيهم عن طريق مقاطع الفيديو التي أقوم بها، وصلتني تعليقات كثيرة، أحدهم قال لي: أنت غيرت رأيي بالاجئين بشكل كامل، أنا أعتذر، كانت لدي صورة مسبقة عنكم، لكن عندما شاهدت ما تقوم به.. تغيرت، أنا كنت أملك فكرة تعميمية خاطئة!” ويتابع فراس: “أنا أحاول بناء جسر بين اللاجئين والألمان، هناك سوء فهم كبير نتيجة عدم المعرفة بالآخر”.
يتحدث الألمانية كالألمان!
كثير من الألمان الذين يعرفون فراس ويتابعونه، يقولون إنه يتحدث الألمانية كالألمان تمامًا، وهذا ربما ما يجعل “الجسر” أفضل بالوصل بين الطرفين، يقول فراس: “لا أستطيع القول إني محترف، أنا أتحدث الألمانية بشكل جيد، وليس بشكل جيد جدًا، الألمان يبالغون، إذا قلت لهم مرحبًا بالألمانية، سيقولون لك: واو! أنت تتحدث الألمانية”، ولكن هذا ليس بقليل أيضًا، فكثير من اللاجئين لم يتمكنوا من تعلم الألمانية بعد، لذلك سألناه عن الخطوات التي قام بها ليصل لهذا المستوى فأجاب: “أول شيء قمت به، أنني عرفت أن إقامتي هنا ستكون طويلة، لذلك عليّ البناء، انتظرت إقامتي، وبحثت عن سكن، ثم انتقلت إلى شقتي في برلين، وبعد سنة كاملة بدأت أتعلم اللغة، الطريقة الأفضل في تعلّمي اللغة الألمانية كانت في عدم اعتمادي على الانكليزية التي أتحدثها منذ أن كنت في سوريا، بل ركزت على التحدث بالألمانية، أصبح لدي صداقات كثيرة، ولم أخجل من ارتكاب الأخطاء، أهم مافي الأمر أنني أعيش مع الألمان، أعرف حدودهم، وأعرف ما يضحكهم وما يبكيهم، دون أن تعيش معهم، لن تعرف شيئًا عنهم، هناك ألمان في فريقي، وهم يساعدونني في كتابة السكريبت، وحين أكتبه، أعرضه عليهم وأستشيرهم، وهم بدورهم يقدمون الملاحظات إلي، وهذا ما يجعلني أطور عملي”.
فراس الشاطر أحد قادة الجيل القادم
أعلنت مجلة “تايم” الأميركية قائمتها السنوية الجديدة لعام 2016 لقادة الجيل القادم، واقتصرت على 10 أسماء فقط، وكان بينها اسم عربي واحد هو فراس الشاطر، الذي أصبح نجمًا في مجال صناعة الفيديو خلال فترة قصيرة في ألمانيا، ثم في مختلف دول العالم، ومؤخرًا كان ضمن فريق أهلاً باللاجئين الذي تعاقد مع الموقع الشهير يوتيوب لوضع فيديوهات تدعم اللاجئين كإعلانات غير قابلة للتجاوز، على فيديوهات النازيين.
وتضمنت قائمة أسماء “قادة الجيل القادم”، السوري فراس الشاطر، الذي وصفته المجلة باللاجئ الذي يبني جسورًا بين الثقافات، إلى جانب الممثلة سواريز رونان، المرشحة لجائزة الأوسكار مرتين، والجيولوجي البرازيلي فرانشيسو سارو، الذي سجل إنجازات في مجال الكشف عن الكهوف، والناشطة الليبيرية في مجال المياه سارة كابا جونز، ومتسلقة الصخور أشيما شيراشي، التي يقال إنها قد تصبح أفضل متسلقة صخور في العالم، ومهندس البرمجيات الهندي أومش ساجديف، وبطلة العالم في رياضة الجمباز سايمون بايلز، وكاتبة السيناريو البريطانية بولي ستنهام، والناشطة البيئية الأميركية دستني واتفورد، والعارضة الأميركية – الكورية الجنوبية إرينا كيم.
لا يوجد عنصرية في برلين
ماذا عن الصورة النمطية؟ هل واجهت بعض الجمل أو العبارات أو أي نوع من التمييز؟ يجيب فراس: “في برلين لا يوجد عنصرية، لأن عدد الأجانب كبير جدًا، ولكن وصلنتي تعليقات كثيرة على لحيتي، تقول احلق لحيتك، أو اذهب وقاتل في بلدك” وقد قام فراس في الحلقة الثامنة من “سكر” بالحديث عن اللحية، وأنه يتعرض للكثير من التعليقات على لحيته “السلفية” والتي هي ليست كذلك أبدًا، إلا أن الأمر لم يتوقف هنا، فالصورة النمطية ليست فقط من جانب الألمان، يكمل فراس: “تعرضت لخطاب كراهية في غالب الأحيان من العرب والسوريين، كانوا يقولون لي: إن كنت تضع قرطًا في أذنك أو لديك وشم، فأنت لا تمثلنا!، وكأنني طالبت أو ادعيت تمثيل أحد، أنا لا أمثل شعبًا، أنا أمثل نفسي وجهدي وعملي، وشكلي هو خياري الشخصي الذي لا علاقة لأحد به”.
فراس الشاطر: الشعب الألماني شجعني، وكثير من أبناء بلدي وضعوا الحجارة في مسيرتي
ويتابع فراس: “أنا لا ألتفت إلى الوراء، أنا أعمل ما أريد، فمن يريد أن يتقبّلني فليفعل، ومن لا يتقبلني، فلا مشكلة، نحن في بلد يحترم الاختلاف والحرية، أجد من المؤسف القول إن أبناء بلدي وضعوا الحجارة في طريقي في الوقت الذي شجعني فيه الألمان ودعموني”. وعن خططه القادمة يقول فراس: “لدي مجموعة محادثات مع مؤسسات تلفزيونية لصناعة فيديوهات تشرح بعض الأمور عن الحياة في ألمانيا، وكذلك شرح الدستور، بالإضافة إلى مجموعة برامج أعمل عليها بشكل شخصي، ومسلسلين مع قناة تسي دي إف وقناة بغايزات، وبرنامج يتم تداوله مع دويتشه فيليه، كذلك قناة يوتيوب بالعربية، وأخيرًا كتابي الذي سيصدر في شهر أوكتوبر-تشرين الأول، وهو يتحدث عن اللجوء وحياتي في سوريا ويقوم بمقارنة كوميدية أيضًا، حاولت فيه جاهدًا توضيح السبب الذي يجعل شخصًا مثلي يترك بلده ويأتي إلى هنا”.
لنختتم بالموضوع الأكثر شيوعًا في ألمانيا وكأنه معضلة العصر، الاندماج.. ماذا يعني لك؟
“الاندماج بالنسبة إلي يجب أن يكون من الطرفين، عندما أتقبّل الآخر والآخر يتقبّلني ونجد طريقة للعيش سوية، فلا مشكلة مهما اختلفنا، لكن العنصريين يعيقون الاندماج، العنصريون هنا من الطرفين أيضًا، عليّ أن أحترم القانون والبلد، وأفكر بتقديم شيء لهذا البلد، وأعرف تمامًا أن علي تعلّم لغة أهله، وأجد عملاً كما ان لي حقوقًا يجب أن أحصل عليها”.