د. بسام عويل. اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
يجد معظم الأهالي صعوبةً بالغة بالتحدث عن الجنس مع أطفالهم، والسبب ببساطة أنهم في الكثير من الحالات يخجلون من تناول هكذا مواضيع، إضافةً إلى أن أحداً لم يعلمهم أو يقدم لهم نموذجاً إيجابياً للجنس، إذ لطالما كانت الجنسانية موضوعاً محظوراً ومُغيّباً في البيوت التي تربوا فيها.
ومع ذلك، فإن الوالدين يتحملان مسؤولية تشكيل الشخصية الجنسية المتوازنة، والسلوك والنشاط الجنسي الصحي لأطفالهم. دعونا لا نترك الأمر للمصادفة أو الإنترنت أو الأقران أو للأطفال أنفسهم، لما لذلك من مخاطر جمّة في تشكيل مفاهيم وسلوكيات واتجاهات جنسية خاطئة، تؤدي إلى الكثير من المشكلات التربوية والنمائية إضافةً إلى معاناة هؤلاء الأطفال فيما بعد في حياتهم الشخصية والعاطفية والجنسية عند وبعد نضجهم.
بدايةً علينا أن نعرف بأن الطفل هو كائن جنسي، وعلينا احترام جنسانيته ومساعدته في تنميتها، شأنها شأن بقية السمات والصفات الجسدية والنفسية. ولكي نستطيع القيام بذلك علينا معرفة خصوصية ومراحل النمو النفسي الجنسي عند الأطفال، وتغيراتها ومظاهرها والعوامل التي يمكن أن تتسبب باضطراباتها. وعلينا أن نتأكد بأن أطفالنا لن يغفروا لنا مستقبلاً جهلنا أو صمتنا، لا بل وسيحملوننا المسؤولية عن مشكلاتهم وفشلهم في تحقيق حياةٍ جنسية سعيدة.
وفي الوقت الحاضر ومع الإنفلات الذي تشهده المواضيع الجنسية وسهولة الوصول إلى موادها، فإن مسؤولية الأهل عن التربية الجنسية يجب أن تأخذ حيزاً أكبر من الإهتمام لديهم، وعليهم تحضير أنفسهم جيداً لهذه المهة؛ سواء بترميم معارفهم ومعلوماتهم أو بتجهيز أنفسهم للإجابة عن تساؤلات الأطفال، وأخيراً للإدراك والتقييم الصحيح للسلوكيات الجنسية التي سيصادفونها عند أطفالهم.
ما على الأهالي أن يعرفوه جيداً بدايةً، هو أن النمو النفسي الجنسي الطبيعي عند الأطفال يتمثل باهتمام الطفل بأعضائه التناسلية، ومشاركته في الألعاب الجنسية، والاستمناء الطفولي، وكذلك في طرحه الأسئلة عن الحياة الجنسية والإنجابية.
وما على الأهالي أيضاً أن يعرفوه جيداً بأنه عليهم عدم التركيز على الإجابة بحد ذاتها مع أهمية ذلك طبعاً، ولكن يتوجب التركيز أيضاً على الاستماع لأسئلة الطفل في جوٍ من الهدوء والاحترام، ومن المهم معرفة عما يسأله الطفل وما هي المعرفة التي لديه بالفعل حول هذا الموضوع. فالطفل بعمر الخامسة مثلاً الذي يسأل “من أين يأتي الأطفال؟” فإنه لا ينتظر إجابة على شكل محاضرة حول العملية الإنجابية أو التكاثر.
عادةً تكون الأسئلة الأولى التي يطرحها الأطفال تتعلق بالاختلافات التشريحية للبنية الجسمية بين الذكور والإناث، وبتسمية أجزاء الجسم، ثم تبدأ الأسئلة عن مجيء الأطفال وكيف ومن أين؟ وعن دور الأب والأم الخ. وعلى الأهل بطبيعة الحال أن لا يكونوا سلبيين بتجنبهم الحديث عن الأعضاء التناسلية إلا أثناء الإجابة عن الأسئلة، اذ أنه بإمكانهم إثارة هذه المواضيع التي تتعلق ببنية الجسم والأعضاء التناسلية ضمن مواضيع قواعد اللباقة والسلامة والنظافة.
يؤدي الحديث مع الأطفال عن الجنس العديد من الوظائف التربوية ومنها:
- إرضاء فضول الطفل إلى المعرفة، وهنا على الأهالي أن يظهروا كمصدر موثوق وآمن للمعرفة.
- إن الأجواء الإيجابية التي تجمع الأهالي مع الأطفال أثناء الحديث عن المواضيع الحميمية تؤدي دوراً مهماً في بناء العلاقة بين الطفل والوالدين، وهو أمر مهم جداً في عصرنا الذي يتسم بسهولة الوصول إلى المعلومات عن طريق متصفح غوغل، وكذلك إلى المواد الإباحية.
- مثل هذه المحادثة تجعلنا نتعرف عما يعرفه الطف وما سبب رغبته بالمعرفة، وهو مايسمح للأهالي بتصحيح معلومات الطفل الخاطئة أو المشوهة.
- المهم جداً أثناء الحديث هو قولنا الحقيقة، باستخدام مصطلحات الجنس الصحيحة. ويجب أن لا تتجاوز المعرفة التي نقدمها للطفل حدود اهتمام الطفل ووعيه. وبحال أن سؤال الطفل شكل لنا صعوبة بالإجابة عليه مباشرة، فعلينا أن نقول بصراحة أنه يلزمنا وقت للتفكير والتأكد من معلوماتنا، ونتفق على تأجيل الحديث والعودة إليه مجدداً.
في بعض الأحيان قد يسألنا الطفل في الأماكن العامة أو عندما يكون لدينا ضيوف أو نكون في ضيافة أحد. عندها يمكننا أن نقول للطفل أننا سنتحدث معه حول هذا الموضوع في المنزل أو في مكان ووقت أكثر ملاءمة بالنسبة لنا جميعاً. ومن الضروري أن نعرف أن تعاملنا دون غضب أو تشدد أو انزعاج أو إظهار للضيق من أسئلة الطفل الجنسية يشكل عنده صورة إيجابية عن الجنس.
وأخيراً.. لنتذكر أن الأطفال في أسئلتهم حول الجنس هم يتعاملون معه مثل أي موضوع آخر، وأن أسئلة الأطفال لا تختلف كثيراً عن تلك التي ربما كنّا نسألها في طفولتنا.
مواد أخرى ضمن سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات:
سلسلة في الجنس وعن الجنس بدون تابوهات 11: المثلية الجنسية – صدام حضارات أم نهاية التاريخ؟!