د. بسام عويل اختصاصي علم النفس العيادي والصحة النفسية والجنسية
يتم في الآونة الأخيرة تداول الكثير من المواضيع حول الصحة النفسية والمشكلات والاضطرابات النفسية وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وهو دليل على الاهتمام بها وفهم مكانتها وتأثيرها على أدائنا، ولكن يندر أن نجد من يتناولها من منطلق شمولي يتضمن الرعاية والوقاية.
المشاكل النفسية هي سمة العصر ويمكن أن يعاني منها أي شخص، ولها تأثيراتها السلبية على أدائنا الشخصي والعاطفي – الأسري، والاجتماعي والمهني. ولهذا من المهم أن نتعرف بدايةً على كيفية العناية بها والوقاية من اضطراباتها، وهو موضوع يتصل بالتثقيف النفسي الذي بالرغم من أهميته فإن معظم الناس يجهلونه أو أن معرفتهم به غير كافية، لكون الأسرة أو المدرسة لا تعيره الاهتمام الكافي.
بدايةً علينا التأكيد على أن الصحة النفسية ليست مجرد عدم وجود إضطراب أو مرض نفسي، ولكنها كما تُعرفها منظمة الصحة العالمية، تشمل الشعور بالتوازن النفسي وراحة البال، التي تمكن الفرد من تكريس قدراته وإمكانياته للتكيّف الإيجابي المثمر والفعال مع متطلبات الحياة والنمو والعمل، والأداء الأمثل في مجتمعه وتحقيق ذاته. وتعتبر الصحة النفسية من ركائز الصحة البدنية والجنسية والروحية وأحد شروطها.
تعرف على بعض الطرق الممكنة للعناية بصحتك النفسية ورعايتها بنفسك
- الاسترخاء
التعامل الإيجابي مع الإجهاد جزء هام جداً من العناية بالصحة البدنية والنفسية. من السبل التي في متناول أيدينا لتخفيض مستوى الإجهاد البدني والانفعالي والعقلي أيضاً هو ممارسة الاسترخاء، فهو يساعد على تنقية أفكارنا والسيطرة عليها، وهو من أفضل الطرق للتواصل مع الجسم والشعور به وضبط إيقاعه. من تقنياته البسيطة التأمل والتنفس المنتظم والهادىء سواء أثناء المسير أو الجلوس.
- تكريس بعض الوقت لنفسك ولهواياتك
تخصيص بعض الوقت من يومك لنفسك هي فرصتك لإلقاء نظرة على ذاتك من الداخل والإصغاء لاحتياجاتك وتذكير نفسك بها، والتفكير بطرق إشباعها بما تسمح به ظروفك، بحيث تقوم أثناء ذلك بأي نشاط يجعلك تجلب لنفسك بنفسك الشعور بالسعادة كما تودها أن تكون. إنها فرصة لحماية موارد الطاقة لديك وخاصة تلك الانفعالية والعاطفية، والتغلب على الإجهاد و التوتر بسبب عدم إشباعك لها، وهي ليست أنانية ولا نرجسية.
قيامك بالأعمال والأنشطة التي تشعرك بالسعادة يعيد إنتاج الطاقة لديك، ويجعلك تتخطى حدود الزمان والمكان والعوائق والمنغصات ويعيد لك الصفاء والتوازن.
- الاستراحة
ترتبط إلى حد ما مع سابقتيها، إلا أنها تتجاوز حدودها. نمط الحياة العصرية جعل الوقت والعمل والكسب متصلاً ببعضه البعض ويشكلون أداة للمنافسة والترقي لا بل يتعاطى الكثيرون مع الاستراحة على أنها خسارة أو ترف.
علينا أن نعرف بأن قضاء فترات أطول بالعمل لا يعني بالضرورة دائماً أننا ننجز بشكل أفضل وأننا نكسب أكثر وخاصة على المستوى البعيد، كما أن الإرهاق في العمل سيستنفذ طاقتنا وسيتطلب منّا وقتاً أطول للراحة وربما لن تكفي ساعات اليوم المتبقية لذلك، إضافةً إلى تثبيط حاجاتنا الأخرى وحاجات شركائنا وفقداننا للطاقة اللازمة لإشباعها كالحاجة الجنسية مثلاً. من المؤكد أن بعضاً من الراحة سيجعل أداءك أكثر فاعلية دون أن يكون على حساب بقية احتياجاتك.
- رعاية وتقوية العلاقات العاطفية والاجتماعية والعائلية
إن الشعور بوجود من يهتم بنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، وثقتنا بوجود أشخاص حولنا يمكننا من طلب الدعم أو الاستشارة منهم، أو حتى الفضفضة لهم هو أمر بغاية الأهمية لصحتنا النفسية كونه يحمينا من آثار الإجهاد ويُمكننا من تجاوز الأزمات ويعطينا إحساساً أقوى بالانتماء والأمن، ورفع مستوى نوعية حياتنا مما يجعلنا نحسن من رفاهيتنا. لهذا من الضروري الاهتمام بعلاقاتنا الحيوية وتقويتها وعدم الاقتصار على تلك المؤقتة التي لا تتعدى الدردشة على الفيسبوك مثلاً.
- البقاء على تواصل مع مشاعرك وعواطفك
محاولاتنا لقمع أحاسيسنا والسيطرة العقلية على عواطفنا أو تشويهها بإعطائها معان بديلة تعني أننا بدأنا نقطع علاقتنا بذواتنا وعواطفنا. للمشاعر وظيفة إعلامية إنذارية تخبرنا بما نبتغيه وما علينا القيام به للحفاظ على توازننا الداخلي أو حتى حماية أنفسنا من المخاطر المحدقة بنا، وبالتالي تساعدنا على اتخاذ القرارات المُثلى.
من دلائل الصحة النفسية القدرة على إدراك ما يجول في دواخلنا، وسماع صوت عواطفنا والتعامل مع أحاسيسنا دون عداء لها، مما يسمح لنا بتنظيم علاقاتنا بالشكل الملائم بدلاً من قمعها وجعلها تسيطر على سلوكنا دون معرفتنا. وبدلاً عن استخدامك لتعابير مثل: أعتقد، أظن وما شابه فمن الضروري أن تلتفت إلى مشاعرك وتعبر عنها ب: أشعر – أحس. وبحال أن هناك موانع لذلك فلا ضير من كتابة مشاعرك وأحاسيسك والاحتفاظ بها ولو لنفسك.
- الإعراب عن الامتنان والتعبير عن المشاعر
ليس من السهل نسيان الأحداث السلبية التي نمر بها ولا ضبط مشاعرنا التي أنتجتها تلك الأحداث. ولكننا نادراً ما نفكر في الأمور والمشاعر الإيجابية التي عشناها ونعطيها حقها. لنعلم أن السعادة الداخلية يعززها الشعور بالامتنان، والتعبير عن الفرح الذي شعرنا به بتأثير الآخرين ومشاركتهم. التعبير عن الامتنان يساهم في رفع تقدير الذات، ويقلل من الشعور بالأذى، ويحول دون الغضب، ويزيد الرفاه.
- الاهتمام بالصحة البدنية وممارسة الرياضة
النشاط البدني يساعد على تقليل مستوى الإجهاد، والتعامل مع المشاعر الصعبة، وفلترة المشاعر السلبية. كما أن حالتنا النفسية تتأثر أيضاً بالنظام الغذائي الذي نتبعه: كيف وماذا ومتى ومع من نأكل.
- عدم التردد في طلب المساعدة الاختصاصية
من الأخطاء الشائعة أن طلب المساعدة هو تعبير عن ضعفنا وعدم قدرتنا على تدبر أحوالنا، مما يجعلنا نحاول الابتعاد عنها. المساعدة المهنية التخصصية وجدت لأجلنا كي لا نبقى وحيدين مع مشكلاتنا وكي لا نسمح لتلك المشكلات باستنفاذ طاقاتنا وجعلنا عاجزين عن الشعور بالسعادة وتحقيق ذواتنا بالشكل الذي نرغب به دون عوائق.
الاختصاصي النفسي إن كان مرشداً أو معالجاً سيساعدنا في فهم ما يحدث لنا ومعنا، وفي كيفية التغلب على مشكلاتنا وتطوير استراتيجيات جديدة وبديلة للتكيف.
دعونا نمنح أنفسنا فرصة الحصول على المساعدة حفاظاً على صحتنا النفسية وتمتيناً لها.
مواضيع ذات صلة: