محمد شكر ألمانيا.
كنت أمرُّ غير قاصدٍ المصادفة أسفل درج شقتها، حيث وقعت عيني على دراجتها الهوائية، وهي مفكوكة السلسال ، وكأنها يئست من إصلاحها، فعاقبتها بالإهمال تحت المطر.
وبحركةٍ بدت لا إرادية، جثوت على ركبتيّ، ورحت أحاول إعادة السلسال حول المسننات الخلفية والمحرك. مضى بعض الوقت قبل أن أظفر بيدين متشحتين بالسواد، ولم يخطر ببالي سوى جرس شقتها، لكنني ترددت في الضغط عليه، لمّا وجدت الباب موارباً.
انتابني الذهول والفزع ،خشية أن يكون قد حدث مكروهٌ ما، فسمحت لنفسي بتجاوز العتبة بضعة سنتمترات، وأجَلتُ البصر في الزوايا، كأنني لصٌ يتفقد مكان الكنز.
وقفت وسط الغرفة، وأنا أحسب سيناريوهات متضاربة، ثمّ أرهفتُ السمع بعد أن ندّ صوتٌ نسائيٌ، عن غناء يشبه الابتهال تحت الماء. ارتفع منسوب الترقب، لكنّ قدميّ ترفضان المغادرة، قبل أن أغسل يديَّ المتسختين. وبلغ انتباهي الذروة حينما صدحَت أغنيةٌ لإيديت بياف، فشعرتُ بأن التصفيق صادر عن قطرات الماء، وأن لخرطوم المياه دورٌ في جوقة التلحين، وأن المرآة أحد المتفرجين الوقحين، وكلهم في مسرح محظوظ يدعى الحمام!
لا أستطيع القول إني انتشيت طرباً، فقط أرغمت على الاسترخاء. ومن شبه استغراقٍ، عدت إلى التركيز مجدداً، إثر فتح الباب بشكلٍ مفاجئ، هيأت لها الخروج في موكب من البخار، تحوط جسدها الأحمر منشفة بيضاء، تكفلت بتغطية خصرها، بينما رفلت في النصف العلوي، برداء أبيض شفاف منسدل على الصدر، تحت خيطين من القماش الرفيع.
ظننت أنها ستركلني على وجهي لما سببته لها من صدمة! لكنها أفسحت لي المجال لغسل يديَّ، دون أن تسأل عن السبب.
ومع تزاحم فقاعات الصابون، تيقنتُ أنه لا بدّ من الندم الصادق على هذا الموقف، واختلاس النظر إليها على تلك الحالة، وهممتُ بالاعتذار والهرب وتأنيب الضمير.
ملأتُ رئتي بنفس رطيبٍ منعشٍ قبل أن أخرج، ذكَّرني بشراب الورد الساخن.. فاستقبلتني بابتسامة دافئة وبراحة غريبة، وكانت قد لبست بالكامل، ثم أمرتني بلهجة شبه قاطعة بتحضير الشاي، وهي ترص صحن اللبنة المكورة، حذاء الجبنة البلدية والزيتون، على طاولة الفطور الصباحي.