د. بطرس المعري. فنان وكاتب سوري مقيم في ألمانيا
زاوية حديث سوري: هل تجوز التهنئة ؟
كنت أقيم في فرنسا حين سمعت لأول مرة بعيد النيكولاوس. فقد اتصلت بي يوماً صديقة من ألمانيا تتمنى لي عيداً سعيداً. قلنا خيراً، فأنا أعرف أن للقديس نقولا عيداً كبقية القديسين، لكن لم يكن هناك لدينا طقس احتفالي خاص به اللهم إلا الصلاة.
وما عرفناه لاحقاً، خلال إقامتنا في ألمانيا، أن في ليلة الخامس من كانون الأول يمر القديس نيكولاوس على بيوت الأولاد ليضع في أحذيتهم الهدايا أو الشوكولا والسكاكر. إذن هو معادل لبابا نويل لدينا ولكنه يأتي مبكراً بعض الشيء هنا.
يطلب مني ابني الصغير أن أبتاع له هدية (حددها لي) في هذه المناسبة. ورغم أني شخص ذو تقاليد مشرقية محافظة، وأفضل أن تكون هدية الميلاد في ليلة الميلاد، إلا أنني لم أجرؤ على الاعتذار منه. وما جعلني أوافق على طلبه في الحقيقة هو أمر بسيط: نحن الآن جزء من سكان ألمانيا! فأصدقاؤه سيتلقون الهدايا في هذا اليوم ولن يكون من المنطق حرمانه منها إن استطعت تأمينها. وصار أن توجب علينا شراء هدية على النيكولاوس كتقليد ألماني وهدية أخرى على الميلاد كتقليد نعرفه، ولله الحمد على كل حال! نبهني لاحقاً صديق أن هدية النيكولاوس تكون هدية رمزية إن لم تكن من الحلوى، وقد استغل ابني، (ويحه!)، جهلي بالتقاليد، فطلب هدية أكبر ثمناً مما هو متعارف عليه.
إن المنطق الذي جعلني أحقق رغبة ابني هذه، هو ما دفع أصدقاء لي، من المسلمين، يجلبون الهدايا لأولادهم في عيد الميلاد، فهم أيضاً جزء من المجتمع الألماني، يتقاسمون معه تقاليد الأعياد كما تقاليد المناسبات الأخرى، هذا بالإضافة إلى رغبتهم في مساواة ابنهم بأترابه.
وتقاليد أخرى عرفناها هنا في هذه الفترة كأسواق الميلاد التي تنتشر في مراكز المدن وبعض الأحياء وأيضاً Adventskranz الذي يسبق يوم الميلاد بشهر يُشعل فيه الألمان أربع شموع، في كل أسبوع واحدة… وهي أيضاً تقاليد لا نعرفها في بلادنا. تبقى الشجرة زينة الميلاد المشتركة، والتي اكتشفنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن عائلات كثيرة من المسلمين تنصب شجرة في بيتها وتزينها هنا وهناك. ويبدو هذا الجو جميل صحيّ حين يتشارك أهل البلد الواحد أفراحهم كما أتراحهم.
وعلى ما نعتقد، لم تعد هذه التقاليد أو الطقوس مرتبطة بالإيمان المسيحي، بل بتقاليد اجتماعية لنقل مادية، تحمل بالتأكيد للأولاد الفرح كما يأخذ البالغ خلالها إجازة من عمله في أيام باردة لا يجد فيها أفضل من الموائد العامرة وشرب النبيذ الساخن دواءً لها. وربما نرى فيها إسراف وتبذير، نحن القادمون من بلاد تعاني الفقر و “القلّة”…
يكتب صديق لي على صفحته في موقع فيسبوك أن عمرو، ابنه ذو الأحد عشر عاماً، سأله وهما يشاهدان التلفاز مساءً قائلاً: “بماذا يفيد أن يكون لنا دين؟” وفي تلك الأثناء التي راح فيها الصديق يبحث عن إجابة على هذا السؤال الكبير، تابع الولد الصغير كلامه وقال: “يكفي أن نفعل ما نعتقد إنه الصواب، هذا كل شيء”.
تذكرت هذا المنشور وأنا أكتب سطوري هذه. في هذا الزمن الذي يتصارع فيه البعض مع “حمولته” الاجتماعية والدينية التي أتى بها من بلده وما يعترضه هنا من أمور ومناسبات لم يعرفها أو لم يألفها ويبدأ بالتساؤل: هل هذا ضد المعتقد؟ هل تجوز المشاركة؟ هل تجوز التهنئة ؟…
نقول: لتكن مناسبة اجتماعية يفرح فيها الأولاد، لا أكثر ولا أقل، ولنؤمن بما قاله عمرو أيضاً: “لنفعل ما نعتقد أنه الصواب” على أن نعود كالأولاد في براءة التفكير.
أحاديث سورية أخرى:
زاوية حديث سوري: ما يريده الألمان “What German want”
زاوية حديث سوري: أعياد وولائم…