في هذه الزاوية نعرّفُ القراء بشخصيات من المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ سنواتٍ طويلة، وتمكنوا من إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم بعيداً عن أشكال وحدود الانتماء التقليدي، وحققوا نجاحات في مجالاتٍ عديدة، فاحتضنتهم هذه البلاد وصارت لهم وطناً.
ولدت الدكتورة الباحثة هدى صلاح في مدينة القاهرة، ودرست فيها حتى حصلت على ليسانس في الأدب الألماني. بعد التخرج عملت مدرّسة للغة الألمانية، ثم مرشدة سياحية بعد أن درست التاريخ والآثارالمصرية. تقول هدى: “أنا استمتع بتعدد هويتي الحضارية المصرية من فرعونية، ورومانية، ويونانية، وقبطية، وإسلامية عربية”.
رغم نجاحها المهني في مجال السياحة لم يتوقف طموحها هناك. ولذلك جمعت كل مدخراتها لدراسة العلوم السياسية خارج مصر، وكان هدفها النهل من الخبرات العالمية، ودراسة كيف أن الغرب أنشأ نظماً ديمقراطية ناجحة، بشكلٍ أو بآخر، بعد حربين عالميتين مدمرتين.
قرارها هذا جعلها تقوم بثورة صغيرة تتحدى بها العادات والتقاليد في التسعينات. سفر البنات لتحصيل العلم وليس للزواج واستقلالهم المادي كانا من التابوهات حينذاك، تقول هدى: “إن استقلال المرأة المادي هو أول خطوات التحرر والانطلاق”.
في ألمانيا أنجزت رسالة الماجستير من جامعة مانهيم عن كيفية إصلاح النظام التعليمي المصري، فقد كانت مصر والعالم العربي في مقدمة اهتمام هدى في مجال البحث باستخدام وسائل علمية نقدية. وأطروحة الدكتوراه في العلوم السياسية، من جامعة فرانكفورت، عن المشاركة النسائية في الحركات الاجتماعية.
تعمل هدى صلاح باحثة و محاضرة في جامعات برلين وكولونيا وفرانكفورت. وتعمل أيضاً مستشارة سياسية للبرلمان والحكومة الألمانية. وهي أيضاً كاتبة حرة ومدربة للمجتمع المدني في الدول العربية وألمانيا، في مجالات حقوق الإنسان وواقع المرأة في ظل النزاعات الدولية.
كما أنها وجه معروف في الإعلام الألماني، خاصة بشأن الحركات الشبابية وصراعها من أجل الديمقراطية من خلال الثورات العربية. وتركز في أبحاثها على عمليات التحول الديمقراطي، والمحرمات الثلاثة في العالم العربي: السياسة والجنس والدين.
في عام 2011 تركت عملها الأكاديمي والتحقت بالثورة المصرية، لتحقق حلمها القديم بمجتمع أفضل يقوم على الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. تقول هدى: “الثورة المصرية هي أنبل وأعمق ما حدث في حياتي، رغم الهزيمة المؤقتة لها والتي أعتبرها هزيمة شخصية وجزءاً من حزن ملازم، لكني مؤمنة أن هناك ثورة تحققت على المستوى الشخصي والأسري وحتى في مجال العمل، وبين الجنسين وبين الأجيال.
لقد حدث تغيير في قيم المجتمع ومفاهيمه. وكسرت الحركة النسائية الجديدة والحركات الشبابية في العالم العربي الكثير من التابوهات والمحظورات بالفعل. فالآن يمكن للنساء في مصر وكثير من دول العالم العربي، خاصة في المدن الكبيرة، العيش والسفر وحدهن، ثم يتزوجن لاحقاً ويكافحن من أجل علاقات المساواة.
ويعالج النشطاء الشباب أيضاً قضايا مثل تقرير المصير الجسدي والتحرش الجنسي والمرأة المعيلة، والمعايير المزدوجة السائدة بشأن مفاهيم الرجولة والعذرية والشرف والعار. إنهنّ/م يقاومن ويقاومون السلطة الأبوية على مستوى الدولة والمؤسسات الدينية والعائلة، ويوضحن/ون أن حقوق الانسان يجب أن تكون لها الأولوية”.
تبدأ الآن محطة جديدة في حياه هدى صلاح، فهي تريد أخذ مسافة عن الأحداث لتحللها. ولذلك عادت إلى كتبها وطلابها من ألمانيا والعالم العربي، ليناقشوا سوياً ويحاولوا فهم مدى نجاح خطوات الثورة أو فشلها وتعثرها.
تمثل هدى قصة كفاح عصامي لامرأة عربية مصرية تحاول كسر قيود المجتمعات العربية والغربية وأن تعيش كسيدة مستقلة تملك قرارها بنفسها وليس حسب ما يطلبه المجتمع منها.
إعداد ميساء سلامة فولف
تعرفوا على مهاجرين آخرين حققوا نجاحات في ألمانيا:
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الإعلامية عبير قبطي
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – سليم نجاري
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الدكتورة سلام سعيد
بورتريه: مهاجرون في ألمانيا – الكاتب والصحفي حكم عبد الهادي