حكيم عُرابي. أحد الناجين – دمشق
نعم يا سادة لم أتأقلم مع واقعي الجديد بعد التجربة الأخيرة في الاعتقال التي مررت بها منذ أكثر من سنة، وأنا أعلم يقيناً بأن الشرط الأول والأخير للتغلب على العسكريفوبيا التي تراودني هو مواجهتها.
لكن كلما حاولت مواجهتها عن طريق الخروج من المنزل والمرور على حاجز ما أو مخالطة رجال الأمن والشرطة، لم أكن أحرز أيّ تقدم بل كانت تلك العسكريفوبيا تترسخ في نفسي يوماً بعد يوم.
فتعامل رجال الشرطة في الشارع وعلى الحواجز الأمنية لا يكاد يغاير تعاملهم داخل الأقبية، إلا بأنهم لا يحملون ادوات التعذيب بأيديهم لكن ألسنتهم وتعاليهم، ونظرة الاستخفاف بالمواطن لدرجة أنه لم يعد يساوي شيئاً بنظرهم، بل هو أقل من حيوان.. حشرة يجب سحق كيانها بشكل يومي كي لا يجرؤ يوماً على رفع رأسه أو المطالبة بحق ما، وليبقى ذليلاً لا يقوى قلبه على محاولة النطق بما يعتريه مرة أخرى.
إلا أنّ ما دعاني لكتابة هذه الكلمات تحديداً في هذا الوقت هو مسلسل La Casa de Papel، فقد صور لنا المخرج بدور ريو بغض النظر عن كونه سارق أو مجرم، صور لنا ما لم أستطع أن أكتبه وما يعتري بداخلي أنا أو أيّ ناجي من الاعتقال في تلك الأقبية، واختَصَرَهُ بعدة كلمات في حوار بينه وبين أحد أصدقائه وبدأه بحوار بسيط:
– هل نلت قسطاً من الراحة؟
– حاولت لكنني لم استطع النوم..
– هل تراودك كوابيس؟
– استرجع الذكريات المؤلمة كلما اغمضت عيني..
وما بدأ يصيبه بعد ذلك من حالات قلق حادة تؤثر على تفكيره وعلى جميع تصرفاته، وأجزاء جسده التي لم يعد يستطيع التحكم بها.
والسيء بالموضوع هو أنني لم أستطع التخلص من نوبات القلق هذه، ولم أعد أستطيع التخلص من تلك الكوابيس بالرغم من انني خرجت من السجن منذ اكثر من سنة.
لذلك ومن هذا المنبر أناشد جميع الأطباء النفسيين بمساعدة من أصيب بالعسكريفوبيا لأنه داء من أسوأ الأسقام يحيل حياة صاحبه لجحيم مستمر.
اقرأ/ي أيضاً:
أن تكون إنساناً بما تعنيه الكلمة من دلالةٍ “أخلاقية” أو لا تكون.. مصطفى خليفة صاحب رواية “القوقعة”
كي لا ننسى وجوههم!… بورتريهات المعتقلين والمفقودين السوريين
الموت تحت التعذيب في أقبية الأسد يتحول إلى سكتة قلبية في آلاف الخطابات إلى ذوي المعتقلين
فدوى محمود… من المعتقل إلى المطالبة بتحرير المعتقلين