هيفاء بيطار*
تتباين الآراء والأحكام والقوانين حول موضوع المثلية الجنسية (والتي يُصر البعض أن يسميها شذوذاً جنسياً)، فالعديد من دول العالم المتحضر اعترفت بالمثليين وشرعت زواجهم. بينما دولٌ مثل إيران،السعودية، بروناي، أفغانستان وغيرها تعاقبهم بالإعدام.
لستُ هنا بصدد مناقشة القوانين، وإنما بصدد مناقشة وتسليط الضوء على حالات إنسانية خاصة، وهناك في عالمنا العربي العديد من الأمثلة على موضوع المثلية الجنسية، ولكن التركيز الأكبر فيها يكون على الرجال بينما تكاد السحاقيات لا يتعرضن إلا لنوع من التوبيخ!
وأكثر ما لفتني من الحالات المطروحة على شاشات التلفزة في العالم العربي، هو الشاب اللبناني المتفوق جداً في دراسته والذي سافر إلى إسبانيا، وهناك تعرف بشاب إسباني أحبه وتزوجه. الملفت في هذه القصة هو الألم النفسي المُروع الذي عاشه هذا الشاب مذ كان عمره 14سنة حين بدأ بالتعرف إلى ذاته الحقيقية كونه لا يميل إطلاقاً إلى النساء، بل كانت كل ميوله النفسية والجسدية تتجه نحو بني جنسه من الرجال.
عانى الشاب من الألم وتحقير الذات وتأنيب الضمير، والذي جعله يعيش تعاسة قاسية وينسى أن أجمل مايميز سن الشباب هو الفرح والإعجاب بالنفس. الشاب (الذي يُمثل شريحة واسعة من المثليين)، مارس تنمراً فظيعاً على ذاته وأجبر نفسه أن يصادق فتاة لمدة عام، عساه يضلل أسرته وزملاءه في المدرسة فلا يكتشفون ميوله التي ما باليد حيلة اتجاهها.
والمؤلم أن في هذا النوع من المشاكل في مجتمعنا العربي لا يجد المثلي أحداً يلجأ إليه، لأنه يعلم مسبقاً أنه سيتعرض للاحتقار والنبذ، سواء من رجال الدين أو حتى من الأطباء النفسانيين. وحين لم يعد باستطاعة هذا الشاب إخفاء شخصيته الحقيقية وميوله المثلية، تحدث إلى والده وتأمل أن يتفهمه فانهال عليه الوالد ضرباً مبرحاً وتهديداً بالقتل، إضافة إلى التعنيف النفسي والصفات التحقيرية التي ألصقها به.
الخلاصة أن هذا الشاب (وأكرر أنه نموذج للعديد من الشبان المثليين)، قد عاش سنوات شبابه بألم نفسي مروع وإحساس بالنبذ والرفض والاحتقار من قبل مجتمعه. وباعتقادي أن الإنسان خُلق ليعيش سعيداً، وأن غاية كل من علم النفس والفنون هي إدخال السعادة إلى نفس الإنسان، والارتقاء بها نحو الإحساس بالأخلاق والجمال والمحبة، وأن الألم مرفوض بل هو بمثابة جريمة أحياناً خاصة إن كان صاحبه لا يؤذي أحداً وما بيده حيلة، فهكذا هو.
وكم من عظماء ومفكرين وحاصلين على جوائز كانوا مثليين، وأذكر منهم : أندريه جيد، وتينسي ويليامز (أهم كاتب مسرحي أميركي حاصل على جائزة نوبل) وبول بولز، وجان جينيه الفيلسوف المعروف بمواقفه الإنسانية من القضية الفلسطينية، وغيرهم كثر.
لست هنا لألعن أو أبارك ولا أسمح لنفسي أن أكوّن ديانة للآخرين، فأنا أحترم إنسانية الإنسان شرط أن يحترم غيره ولا يؤذيه. ولكني أيضاً أبحث عن أمثلة بسيطة في المجتمعات الأجنبية لأقارنها بأمثلة تشبهها في المجتمعات العربية، فأجد أن هذه المواضيع تُناقش بطريقة مذهلة وعلى معظم محطات التلفزة، ظواهر تتعلق بالإحساس بالذات والشخصية الأنثوية والذكورية، وقد يستضيفون أهم المحللين وعلماء النفس لمناقشة هذه المواضيع، بالإضافة إلى استضافة آباء هؤلاء المثليين والذين قد يكونون في بعض الأحيان أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثلاث سنوات، حيث يصرخ طفل ذكر بالكاد تعلم الكلام “أنا أنثى”، ويصر أن يلعب بدمى الفتيات ويلبس لباسهن، أو العكس، حيث تجد فتاة بعمر ثلاث سنوات تصرخ “أنا صبي”.
وقد أثبت الطب النفسي أن هؤلاء لديهم حالة خاصة وهي أن الشخصية عكس الجسد، والإحساس بالذات مُعاكس لجنس صاحبه. وهؤلاء يجب قبولهم وعدم إطلاق أحكامٍ أخلاقية عليهم، فهم أطفال أبرياء ولا يعرفون لم خُلقوا هكذا. وفي حالات عديدة قد يضطر الأطباء حين يكبر الأطفال إلى إجراء معالجات هورمونية مكثفة كمرحلة أولى لتغيير الجنس، ثم الخضوع لعمل جراحي.
وسواء قبلنا أو استنكرنا فهذا واقع حياتي وهكذا هي الحياة فيها هامش من الغرابة ربما. ولا تخلو الطبيعة وعالم الحيوان من هذه الحالات كالقرود والطيور مثلاً، فهل يجب أن نعدمهم لأن نسبة الشذوذ الجنسي عندهم عالية؟
أن نحب الآخر هو أن نحبه كما هو، ألا نتنمر عليه ونطلق عليه الأحكام الظالمة اللاإنسانية، وألا نؤذيه (فالبعض يطالب بإعدامهم)، فنحن لا نملك الحق بإدانة الآخرين. هذه مهمة الله.
أخيراً ليت العالم العربي يتعلم من تجربة الغرب باحترام هؤلاء المثليين المختلفين عن القاعدة العامة. وليتنا نعلم أنهم بشر مثلنا والكثير منهم مبدع وموهوب ويساهم في تطور البشرية. وباعتقادي أن العالم العربي لن يتطور فكرياً ونفسياً إن لم يفهم أن هذه الحياة التي نعيشها واسعة الطيف، وأن مفهوم الخير والشر والأخلاق واللاأخلاق أمرٌ نسبي.
*روائية وكاتبة سورية
موا أخرى للكاتبة:
هل تكون الترجمة إلى اللغة العبرية خيانة؟