إعداد ميساء سلامة فولف
في هذه الزاوية نعرّفُ القراء بشخصيات من المهاجرين الذين وصلوا إلى ألمانيا منذ سنواتٍ طويلة، وتمكنوا من إعادة بناء حياتهم ومستقبلهم بعيداً عن أشكال وحدود الانتماء التقليدي، وحققوا نجاحات في مجالاتٍ عديدة، فاحتضنتهم هذه البلاد وصارت لهم وطناً.
الكوريوغراف مي سعيفان: سوريةُ الأصل، دمشقية المولد، كانت ضمن دفعة الأطفال الأولى في مدرسة الباليه التابعة للمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق.
“منذ الصغر كنت أحب الرقص وتقمص الأدوار، مدرسة الباليه كانت الخطوة الأولى على طريق امتهان هوايتي، أجمل ما قد يحصل لأي إنسان هو أن يجعل من هوايته مهنةً واختصاص”. تابعت مي تدريبها وكانت الطفلة الوحيدة من المجموعات الأولى في المدرسة التي تشبثت بحلمها حتى التخرج كأول باليرينا محترفة عام 1998.
حصلت سعيفان على منحة دراسية من منظمة “KAAD“، فانتقلت إلى ألمانيا لتلتحق بقسم الرقص الكلاسيكي والمعاصر في المعهد العالي للموسيقى والفنون الأدائية في فرانكفورت.
في البداية عاشت مي صراعاً فكرياً وثقافياً بين ما تعلمته في المدرسة الروسية الكلاسيكية التي تتبع لقوالب أدائية جاهزة وشكل تقليدي للعلاقات من جهة، وما بين منهاج المعهد المبني على علاقة تكاملية وصحية بين الطلاب والأساتذة، والذي يتيح مجالاً واسعاً لتقنيات الرقص المعاصر والارتجال واكتشاف اللغة الحركية الفردانية من جهة أخرى، حتى حسمت أمرها بعد عام ونصف من الدراسة واتجهت إلى الرقص المعاصر.
“كنت أنظر بتعالي واستخفاف لتقنيات الرقص المعاصر، فقد كبرت على اعتباره فسحة النجاة لمن لم ينجح في إتقان الرقص الكلاسيكي. هذا ما زرعه الأساتذة الروس في رأسنا منذ الصغر. كنت دائماً أحس بنقص ما، اعتبرته نابعاً من نقص مهاراتي مقارنةً بأفضل راقصات الباليه في العالم، حتى جاءت اللحظة التي دخلت فيها بحالة انتقالية عند أدائي لرقصة جماعية معاصرة فيها حركات دائرية كثيرة على موسيقى قرع طبول، لحظتها فقط أدركت كم كنت مكبلة وعالقة في مناهج الكلاسيك، وكم كنت جاهلة لهذه العوالم الخفية الحرة والمدهشة في آن واحد. بدأت هنا أدرك ما كان ينقصني وأنني كنت أبحث في المكان الخاطئ. هذا الإدراك أخذ أبعاداً أخرى كثيرة وكان نقطة بداية لتحولٍ كبير على كل المستويات، فبدأتُ بمساءلة قناعاتي وبديهياتي وقررت خوض رحلة استكشاف جديدة مع ذاتي”.
بعد حصولها على شهادة الدبلوم في الرقص المعاصر، فضلت مي سعيفان العودة إلى دمشق لتشارك في بناء حركة الرقص الاحترافي في سوريا. وعملت كأستاذة للرقص المعاصر في المعهد العالي لفترة عام، شعرت خلاله بالضغط المؤسساتي وتقييد حريتها في أسلوب التدريس. فقررت العودة إلى ألمانيا، حيث عملت في نورنبرغ لمدة أربع سنوات وأنشأت مدرستها الخاصة التي درّست فيها الكلاسيك والمعاصر والفلامنكو والبيلاتس والرقص الحر للأطفال. بالإضافة لعملها ككوريوغراف وكراقصة مع فرق أخرى.
في العام 2008 عادت إلى دمشق، وأسست هناك فرقة تنوين المسرحية، المختصة بالمسرح والرقص والأبحاث. وأسست أيضاً ملتقى دمشق الدولي للرقص المعاصر في دار الأوبرا، والذي استضاف مجموعة مميزة من أشهر فرق الرقص بالإضافة لفرقٍ محلية. كان الملتقى جزءاً من شبكة مهرجانات إقليمية تدعى مساحات (لبنان، سوريا، الأردن وفلسطين). وعملت في نفس الفترة كمسؤولة برامج المسرح والرقص والسينما في معهد غوته.
وفي زيارة لها لميونخ في صيف 2011 قررت مي سعيفان الاستقرار هناك من جديد. تابعت عملها في فرقة تنوين وعملت على مشروع أرشفة منامات السوريين ما بعد الثورة (منامات سورية)، واعتمدت كل أعمالها المسرحية بعد ذلك على هذا الأرشيف والمواضيع المحيطة به. من هذه الأعمال الثلاثية (التخريب للمبتدئين) و(قيلولة) بالإضافة لبعض الأفلام القصيرة والأبحاث.
قدمت أعمالها في عدة بلدان في العالم، كما شاركت في عدة لجان تحكيم وإدارة برامج ووضع مناهج وتقديم استشارات كخبيرة في الرقص المعاصر، آخرها عملها كمشرفة في برنامج فنون الأداء في جامعة الفنون في برلين، وتقديم استشارات حول آليات رفع التنوع الثقافي في مشهد الرقص المعاصر في ألمانيا.
في العام 2019 شاركت مي سعيفان في تأسيس جمعية نسوة في برلين، والتي تعمل على دعم القياديات النسويات العاملات في الشأن السوري المدني والسياسي. وتركز على موضوع الناشطية الفنية أي الاستفادة من الأدوات الفنية في العمل السياسي والمدني كإحدى أساليب عمل الجمعية. بالإضافة للتركيز على الناحية الجسدية بأبعادها الكثيرة كمدخل أساسي لكل المواضيع.