هل نحن عنصريّون؟ يبدو الحديث عن علاقة الدولة والمجتمع الألماني بالعنصرية مربكًا، نحن هنا نتحدث عن دولة خضعت لنظام حكم نازي كانت سياساته العنصرية أحد أهم أسباب الحرب العالمية الثانية التي كانت بدورها سببًا في دمار ألمانيا.
وطيلة عقودٍ تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت ألمانيا تحاول تطوير وسائل وخطط ومناهج لمحاربة النازية و العنصرية ، حيث أن العديد من القوانين تجرّم أي محتوى عنصري أو خطاب كراهية تجاه الشعوب الأخرى، وبهذا كانت ألمانيا سبّاقة بين الدول الأوروبية الأخرى لإصدار جملة من التشريعات تجعل من العنصرية فعلاً يعاقب عليه القانون.
تطور ذلك المفهوم لاحقًا في الأدبيات السياسية الألمانية ليشمل كل حديث كراهية ضد أصحاب الإعاقات أو المثليين جنسيًا والأجانب وشعب الروما أو من يطلق عليهم “الغجر” وكل الفئات الأخرى التي تم استهدافها من قبل النازية، وبعد عقود من العمل على تلك المفاهيم توصل المجتمع الألماني عمومًا إلى لغة في الخطابة قائمة على الحساسية المطلقة تجاه أي لفظ عنصري أو يمكن تأويله عنصريًا.
كان لا بد من هذه المقدمة قبل الحديث عن علاقة اللاجئين بهذا القضية، لأن هذه المقدمة تعكس طبيعة المجتمع الألماني اليوم، وأخصّ عددًا كبيرًا من الناشطين في قضية اللاجئين في ألمانيا، حيث ينطلق موقف معظم المشتغلين مع اللاجئين في مبادرات المجتمع المدني الألماني من موقف معادٍ للشوفينية الألمانية التي ترفض اللاجئين، وترفض أي ثقافة غير ألمانية، لتصفها بالثقافة “الدخيلة”، من هنا كان لا بد لنا من تقصّي بعض مواقف هؤلاء من القادمين الجدد، فالكثير من الناشطين يبدون ترحابًا واسعًا باللاجئين، ومبادراتٍ لا تنتهي من أجل المساعدة في بدء حياة جديدة.
وعند سؤالي للعديد منهم عن أرائهم بمواقف اللاجئين من قضايا العنصرية ورهاب المثلية وخطاب الكراهية، ظهر أن عددًا كبيرًا من هؤلاء الناشطين قد استمع لمحتوى كراهية من اللاجئين ضد شعوبٍ أو أديان أخرى، وبشكل أكبر ضد المثليين جنسيًا، يبدو أن من بين اللاجئين السوريين أيضًا من يحرّض ضد اللاجئين الآخرين، ومن الواضح تمامًا أن المعاملة التي يحصل عليها اللاجئ السوري تعتبر مميزة عما يحصل عليه اللاجئون الآخرين، من حيث السرعة في منح حق اللجوء والتغاضي عن إجراءات اتفاقية دبلن، مما جعل العديد من اللاجئين السوريين يقعون في فخ التمييز ضد اللاجئين الآخرين.
جميعنا قد سمع وشاهد مظاهرات قادها سوريون في عدة أماكن مطالبة بطرد اللاجئين الأفغان مثلاً خارج مخيمات اللجوء!! بالإضافة إلى العنصرية في التعامل مع مواطني دول شرق أوروبا، عنصرية بلغت التساؤل عن أحقيتهم في تقديم طلبات اللجوء، والتماهي مع التوصيف اليميني لهم كونهم “لاجئين اقتصاديين”، وراح البعض يتبنى خطاب اليمين العنصري الألماني، ومقولة إنهم يسرقون أماكننا التي تذكر بمقولات بيغيدا والحركات العنصرية الألمانية الأخرى التي يقصد بها عموم اللاجئين بما فيهم القادمين من سوريا.
في برلين، قامت مجموعة من السوريين من مؤسسي اعتصام دورتموند المطالب بإلغاء اتفاقية دبلن بالدعوة لاجتماع مع مجموعة من النشطاء البرلينيين، هدفه نقل الدعوة إلى برلين، استجاب رموز حركة حقوق اللاجئين للدعوة، وبدأ الوفد المكون من ثلاثة أشخاص يمثلون اعتصام دورتموند بتقديم مقترحهم، وكان المقترح إلغاء اتفاقية دبلن فقط عند التعامل مع اللاجئين السوريين دونما بقية اللاجئين، وقد حاول العديد من النشطاء البرلينيين في البداية إقناع نشطاء دورتموند بضرورة جعل المطلب أكثر اتساعًا ليشمل بقية اللاجئين، ولكن ما قدمه الشباب السوريون كان مزيدًا من الإصرار تجاه جعل المطلب يشمل فقط إسقاط دبلن أمام اللاجئين السوريين، الموقف الذي لم استطع تفسيره حتى الآن! إذ أن الناشطين الألمان متضامنون مع كلّ اللاجئين ولا يستطيعون التضامن مع فئة دون غيرها!
إن الأصوات المعادية للعنصرية في المجتمع الألماني، والتي يخفت صوتها رويدًا رويدًا أمام صعود اليمين الأوروبي، تعتبر حليفنا الوحيد في هذا المجتمع، ولذلك من المهم جدًا بالنسبة لنا فهم طبيعة تلك الأصوات والبنى الفكرية التي تنطلق منها في عملها، ومن المهم جدًا فهم حساسية هذا المجتمع عمومًا تجاه الخطاب العنصري، بدون ذلك نحن نخسر الكثير.
- “سوف نأتي متحدين”: تجمع هائل في هامبورغ ضد العنصرية والتمييز
- الإسلام والمسلمون وسؤال العنصرية
- لا تستطيع أن تجد بيتًا في ألمانيا، قد تكون العنصرية سببًا