دينا أبو الحسن|محررة قسم المرأة في أبواب.
لم نكن نتخيل قبل نحو سنتين، عندما أطلقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نداءها الشهير: “نحن نستطيع”، أنها تخاطبنا نحن. كان نداءها موجهًا لشعبها، طلبًا لتعاضده معها في مواجهة ما سمي آنذاك “أزمة اللجوء”، مع تدفق مئات آلاف اللاجئين إلى أوروبا، والذين نالت منهم ألمانيا الحصة الكبرى.
مرت الأيام بطيئة وقاسية على الذين وصلوا إلى أرض الألمان، ما بين إجراءات حكومية وانتظار ومحاولات تأقلم، وتعرف على المحيط الجديد وبحث عن موطئ قدم فيه، ولكنها مضت، وأصبحت ماضي العمر الذي يوصف بأنه “غفلة عين”.
مر على معظمنا هنا بين سنة وأربع سنوات قد لا تبدو كثيرة في حياة أمة، لكنها شكلت فارقًا في حياتنا وحياة من استقبلونا. أصبح القادمون الجدد يشكلون عصبًا للحياة هنا، يضفون عليها ألوانًا جديدة، وكثيرًا من الدفء. موسيقانا، فنوننا وآدابنا وحتى أكلاتنا انتشرت وعُرفت وأصبحت مطلوبة على امتداد الطيف البشري الواسع الذي يشكل أهل ألمانيا. شبابنا وشاباتنا يملؤون الأرض خصبًا وصخبًا، فحيثما توجهت تسمع أغنية مألوفة، وتشم رائحة طبخة شهية، وترى أطفالاً يضحكون وهم يصححون أخطاء آبائهم في اللغة الألمانية.
أعدنا هنا تأسيس مجتمعنا الحميم والمتعاضد، وقدمنا الكثير للمجتمع الذي لم يكن قبل سنوات قليلة يعرف عنا شيئًا. ما زلنا نحظى بتعاطف كثيرين ومودتهم، حتى لو برزت أصوات قميئة تتظاهر ضد وجودنا وتلصق على أعمدة الإنارة لوحات تطالبنا بالعودة إلى وطننا، والأهم هو أننا أفلحنا من خلال عملنا وصلابتنا وعقولنا في كسب الاحترام، وهذا إنجاز غير قليل في مدة قصيرة.
في هذا الشهر الذي يحتفل فيه باليوم العالمي للاجئ، يحق لنا أن نأمل ونطالب بعدم تأطيرنا بهذه الصفة. اللجوء وضع قانوني، لكنه لا يختصر إنسانيتنا ولا يمحي شخصياتنا. يحق لنا أن نطالب بفرصتنا في الحياة والعمل إلى أن نسترجع وطننا، فيعود من يشاء بدء رحلة بناء جديدة، ويبقى من اختار أن يمد جذوره في هذه الأرض.
نعم، لم يكن نداء ميركل موجهًا لنا، لكننا نحن الذين استطعنا، وفعلنا. كل عام ونحن بكامل إنسانيتنا وكرامتنا وألقنا. كل عام ونحن قابضون على جمر الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وحلم الوطن.