ولد الموسيقي والطبيب وسيم مقداد في ألمانيا، عام 1985 في مدينة لايبزغ، في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين، عاش فيها أربع سنوات لا يذكر منها شيئًا، وعاد إليها اليوم، لاجئًا، هاربًا من حرب أغلقت كل المنافذ في وجهه. بعد أن استنفذ فيها كل طاقته: كموسيقي، وكطبيب، وكشاب سوري يحلم بوطن حرّ. عزف مع فرق موسيقية في تركيا: سوريّة كأصل وصبا بردى، وسورية تركية كخيال باند. وألّف ووزع عدة قطع لها.
الموسيقي والطبيب السوري وسيم مقداد، الواصل حديثًا إلى ألمانيا، بعد رحلة مرهقة استغرقت قرابة الشهرين من تركيا، واستقر في برلين. ما زال بانتظار الحصول على الإقامة، ليتمكن من متابعة حياته ودراسته. بعد تجربتي اعتقال في سجون النظام، وتجربة اعتقال في سجون جبهة النصرة، وعمل تطوعي كطبيب في مخيم اليرموك بعد بداية حصاره. ثم عامين في تركيا.. حتى استطاع أخيرًا الوصول إلى ألمانيا، مع زوجته عازفة الإيقاع بيرفان أحمد.
حاورت أبواب وسيم، عن تجربته وأحلامه، عن العقبات والآمال.
كيف بدت لك ألمانيا؟ البلد الذي ولدتَ فيه قبل ثلاثة عقود؟ كلاجئ، وكموسيقي؟
- كلاجئ، أرى ألمانيا ملاذًا، مجتمعها منفتح، ونظامها مبني على أساس احتواء الغريب، ودمجه في المجتمع. ولأننا كسوريين لم نعِش في دولة قانون، فإننا نواجه صعوبة كبيرة بالتأقلم مع النظام الورقي المعقد، إضافة إلى أن الكثير من أوراقنا الشخصية فُقدت في الحرب وخلال رحلة اللجوء، وهذا يزيد الصعوبة، وإن كنت أرى أن النظام بدأ بالعمل على تلافي هذه الثغرات.
أمّا كموسيقي، فأستطيع التحدّث عن برلين بالذات، برلين مدينة كونيّة، تجد فيها تجمّعًا لا يضاهى لثقافات وشعوب الأرض، من أقصاها إلى أقصاها، بمؤسساتها الثقافية، بعاداتها، بمطاعمها، وبالتأكيد: بنتاجاتها الثقافية، وهذا المناخ يزيد فرص أي راغب بالعمل في المجال الفني، ويوسّع مداركه، وهو بذات الوقت، المناخ، بوتقة لصهر وتفاعل هذه العناصر معًا.
والمدينة متطورة جدًا من حيث بنيتها التحتية الثقافيّة، وهذا عامل مساعد أيضًا، ولكن عملية الانتظار الطويل للحصول على الأوراق اللازمة لبدء الدراسة والعمل، تعرقل الإنجاز. أعتقد أن مستقبل برلين، بالنسبة إلي طبعًا، أفضل بكثير من واقعها، فأنا حاليًا أحاول جاهدًا أن أجد لي مكانًا على هامش المدينة… ومتفائل أنّي سأستطيع أن أجد مكاني المناسب في المستقبل.
بدأت بتقديم نتاجك الموسيقي بسرعة قياسية عقب وصولك لألمانيا، أخبرنا عن الحفلات التي شاركت فيها.
- بعد أربعة أيام فقط من وصولي إلى ألمانيا، في 11\6 قدمت أمل حفلة مع زوجتي بيرفان في أوكسبورغ. ثم قدمت حفلتين في برلين بتاريخ: 9 و 15 تموز يوليو الماضي
ما هو هدفك الرئيس الآن؟
- الهدف الأول هو إتقان اللغة ما أمكن، لمتابعة دراسة الموسيقى أكاديميًا، وقد بحثت عن الجامعات والأكاديميات حتى قبل سفري من تركيا، والخيارات واسعة ومتوفرة. ولكن عقبة الأوراق تظل حتى اللحظة حجر عثرة في هذا الطريق.
بعيدًا عن الدراسة، بدأت بمشروعك الفني الخاص في سوريا، وفي تركيا، هل ترى له امتدادًا هنا؟
- ميزة الموسيقا هي القدرة على تجاوز الحدود وعوائق اللغة وحتى تباين الثقافات. سأتابع بالتأكيد عملي في التأليف الموسيقي والتلحين، إضافة إلى السعي الدائم لتسجيل وتقديم القطع الجاهزة. بالتعاون مع موسيقيين مقيمين في ألمانيا، وأوروبا عمومًا. وسأشارك كعازف في أوبرا “ميديتريانو” التي ستقدم في مسارح برلين قريبًا. إضافة لهذا فأنا أعمل الآن على عمل مسرحي غنائي، بالتعاون مع الشاعر السوري فادي جومر، يتناول النصف الأول من القرن العشرين، في العالم العربي، ومصر تحديدًا، من الناحية الموسيقيّة الغنائية، وتأثرها، وتأثيرها، بالتطورات السياسية والاجتماعية.
كانت لك تجربة مميزة مع الأطفال في سوريا، أخبرنا عنها، وعن آفاقها في ألمانيا.
- عملت في سوريا في مجال الدعم النفسي للأطفال اللاجئين نتيجة الحروب من خلال الموسيقى، والذي يعتبر الكورال أحد أهم أدواته. بدأت التجربة عام 2010 بدعم الأطفال العراقيين اللاجئين بالتعاون مع اليونسيف، ومنظمة الهلال الأحمر السوري. ثم تطورت الفكرة وتمّ تأسيس فرقة كورال للأطفال الفلسطينين بالتعاون مع الأنروا. ومع بداية الثورة وتحوّلها إلى “حرب أهليّة”، نشأ مشروع ثالث لدعم الأطفال السوريين النازحين بالتعاون مع هيئة الإنقاذ الدنماركية “DRC”. واستمر العمل به حتى دخولي إلى مخيم اليرموك متطوعًا كطبيب ميداني.
أنوي حاليًا استئناف هذا المشروع هنا، لدعم الأطفال اللاجئين، ودمجهم مع المجتمع الألماني، من خلال تأسيس فرق كورال للأطفال اللاجئين والألمان، واستخدام الموسيقا للتعريف بالثقافات المختلفة وبناء جسور التواصل.
كانت لك تجارب مع موسيقيين أتراك، وأوروبيين، ما هو الفرق بين التجربتين؟
- الوضع العام للاجئين السوريين عمومًا، وللفنانين خصوصًا، مختلف بين دول الجوار ودول اللجوء في أوروبا. القواسم المشتركة كثيرة في دول الجوار، ومن السهل إيجادها، وتطويرها، والبناء عليها. ولكن في السياق الألماني، والأوروبي عمومًا، الوضع مختلف كلّيًا، فهنا مجتمعات مختلفة، تحمل قيمًا مختلفة، ونقاط الاشتراك ضيقة نسبيًا، وبالتالي يحتاج العمل إلى رؤية أوسع، وانفتاح على الذات وعلى الآخر أكثر، وبحث في الجوهر للوصول لأرضية مشتركة لبناء عمل متوازن ذي قيمة.
وإن كان الغالب حتى الآن في أعمال الموسيقيين اللاجئين هو عدم الوصول إلى المكان اللازم من مزج الأصالة بالحداثة، فإني واثق أن الزمن كفيل بالوصول إلى هذا الهدف نتيجة الاحتكاك والانفتاح، لأني واثق أن الوعي والموهبة اللازمة لهذا، موجودة بلاشك.