حاورته سعاد عباس
هل يمكن القول إن الأقلية المسلمة في ألمانيا ستؤثر على الديموقراطية والمبادئ التي يتكون منها المجتمع الألماني؟ لم كل هذه التخوفات من المسلمين؟ هذا وأسئلة أخرى طرحناها على الشيخ “طه صبري” إمام مسجد “دار السلام” في برلين في هذا اللقاء:
لا أعتقد أن الأقلية المسلمة في ألمانيا تشكّل خطراً على سير الديمقراطية بالقدر الذي تشكله المجموعات المتطرفة. فحتى الأحزاب الشعبية التقليدية تبنت بعض مقولاتها برأيي، وذلك في محاولة منها لكبح جماح بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة. نحن كمسلمين وكأقلية في هذا المجتمع نشكّل الحلقة الأضعف، كوننا لا نملك هيكلية واضحة ولا مؤسسات تتكلم باسمنا، وردود أفعالنا غالباً ما تأتي فردية وليست كجماعة، ولدينا تخبّط واضح نحن المسؤولون عنه، كوننا لم نسعَ إلى إيجاد كيان واحد، ولم نعطِ الفرصة للجميع لنكون كذلك.
- كيف يمكن أن يكون هناك انتماء أو ما الذي يمكن للأكثرية أن تفعله حتى يتحقق هذا الاندماج؟
يتحقق ذلك بالاعتراف بأن هذه الأقلية ليست غريبة وإنما أصيلة، حيث أن الرفض من قبل الأكثرية هو غير مقبول ويذهب بالأقلية المسلمة باتجاه الانعزال والانكفاء.
كيف يمكن أن نعتبر المسلم من إيران أو باكستان أو المسلم العربي، وباقي الجنسيات المسلمة المختلفة، تحت مظلة الأقلية المسلمة الواحدة وكل واحدة منها تحمل خلفية ثقافية إسلامية مختلفة عن بعضها البعض؟
بالنسبة لي، لدي سياسة واضحة لإدماج هذه الأقلية بحيث يصبح البعد القطري مرتبطاً بهذه الأرض بما يسمى إبراز الهوية الدينية، فمثلاً قبل وجود مايسمى العمال الأجانب في الستينات، كانت المساجد موزعة على كل جنسية بحد ذاتها، أي أنه كان هناك مسجد للتونسيين وآخر للأتراك وأخر للمغاربة، ولا يوجد أي شكل من أشكال التواصل بينهم، ولكن مع الزمن تنامى هذا الشعور الجمعي لديهم بشكل عام، حيث أصبحنا قادرين على القول “نحن الأقلية المسلمة”، أي أنه أصبح لدينا هوية عامة بصرف النظر عن البلد الأصلي.
و ما يخفف أيضاً من حجم هذا الانكفاء هو ظهور الفئة الناشئة من الشباب من مختلف الجنسيات المسلمة بحيث يساعد هذا الجيل الناشئ على الانصهار والاندماج بشكل كبير في بوتقة هوية جامعة.
أما بالنسبة لي فأنا لدي ما يكفي من القناعة بأن هؤلاء الشباب أو هذا الجيل هم أولادي وليسوا أولاد سوريا فقط أو المغرب أو تركيا، فلقد ساهموا بشكل سريع جداً في عملية الاندماج بمنطق علمي وثقافي والذي سيساعدهم في المستقبل على الاندماج التام في المجتمع الألماني كأقلية مسلمة. ولكن بالطبع إذا كان هناك رغبة متبادلة من الطرفين، حيث أنه للآن يوجد خلل برغبة الاندماج من الطرفين.
أين كان الخطأ في التعامل مع الأقلية المسلمة في ألمانيا على مستوى مؤسسات الدولة؟
القانون ينظم الأشياء ولا ينتجها، نحن نرى أن هناك أوضاع كثيرة أوجدها القانون، كقضية المرأة ونسبة مشاركتها في العمل، وقضية المثليين، وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، كل هذه القضايا القانون من أوجدها، فلماذا لا يكون هناك نشر ثقافة عامة، ولا أقول قانون، لتقبل الأقلية المسلمة كجزء من المجتمع الألماني، وللاعتراف بهم وإعطائهم حقوقهم الاقتصادية والثقافية والدينية وحتى اللغوية، ما المانع؟ فلايوجد قانون في ألمانيا يعترف بالإسلام، ولكن في الدستور الألماني هناك ما يضمن حرية الإنسان وحقه بشكل فردي في التعامل والعيش كما يريد.
كيف برأيك يكون الاعتراف الرسمي بالإسلام؟ أو ماهي الحقوق التي من الممكن أن نأخذها أكثر مماهو لدينا حالياً؟
مثلاً هذا المسجد هو جمعية، لأنه ليس من حقي كمسلم أن يكون لدي مسجد، فعندما يصبح لدي الحق في ذلك يصبح بالنتيجة لدي عقود مع الدولة في مسائل التمثيل للمسلمين في مراكز ومؤسسات الدولة، وأيضاً التمويل، فعندما يكون لدي عقد مع الدولة يصبح من حقي طلب تمويل منها لتطوير وتعزيز بعض المشاريع التي تسهم في اندماج الأقلية المسلمة في المجتمع الألماني.
وغيرها أيضاً من الحقوق كحق الذبح الحلال للحيوانات وحقوق الأعياد وغيرها، فعلى سبيل المثال لا نملك الحق بإيجاد مسالخ للذبح على الطريقة الإسلامية، فنحن بحاجة لإذن من المحكمة حتى نقوم بهذا الأمر، وتختلف هذه الأوراق من مقاطعة لأخرى وهناك العديد من المتابعات القانونية التي يجب اتباعها للحصول على هذا الإذن، حتى أنها ممكن ان تصل إلى المحكمة الدستورية.
وغيرها من القضايا كقضية المدارس والجامعات، فأنا لا أستطيع أن أفتح جامعة أو مدرسة خاصة بالمسلمين.
هل حصل على حد علمك اضطهاد ضد الأقلية المسلمة، سواء فردياً أو على المستوى العام؟
في نهاية الأمر نحن نعيش في دولة مجتمعها هو مجتمع مابعد حداثي، تحكمه تقاليد وقوانين كثيرة، فهو مجتمع متطور استطاع بما سعى إليه، عند توقيع معاهدة السلام بعد الحرب التي دامت ثلاثين عاماً، أن يشكل الدولة الحديثة التي قامت بفصل السلطات وفصل الدين عن الدولة، كما بني المجتمع على الديمقراطية والحرية الفردية والليبرالية كقيم، فهو مجتمع ليس ببسيط، له تاريخ معقد وطويل، لكنه الآن هو مجتمع مستقر على مبادئه وقيمه التي قام بتطويرها، ومن الصعوبة بمكان هدمه أو تراجعه إلى الوراء، رغم المحاولات الكثيرة لسحبه إلى جهات معينة.
فقيمة قبول واحترام الآخر لديه كانت ومازالت قيمة كبيرة مهيمنة في المجتمع الألماني، سواء كانت في المزاج العام أو في السياسات.
وبالطبع نسمع ببعض الاعتداءات على بعض الأقليات، إن كانت لفظية أو بشكل مباشر أو اعتداء على سيدات وغيرها، لكن ورغم ذلك فهي تبقى سلوكيات فردية ومضبوطة نوعاً ما.
وفي نفس الوقت هذه السلوكيات تولد عند بعض الفئة المسلمة بعض الضغوطات، والتي من شأنها أن تولد تخوفات مضادة من المجتمع الألماني، فالانفتاح الذي كان من قبل في التعامل مع الأقليات المسلمة وغيرها لم يعد كالسابق، الآن يرغب الطرفان في أخذ مسافة واضحة بينهما للتعامل، ويعود ذلك بالطبع إلى الهجمات الإرهابية التي حصلت في الفترة الأخيرة والتي نسبت جميعها للإسلام، بالإضافة إلى الأعداد الهائلة للمهاجرين القادمين من منطقة الشرق الأوسط.
لكن ومن الجدير بالذكر أن الألمان عندما بدأت عملية تدفق اللاجئين في الخمس أو ست سنوات الأخيرة، نشأت بينهم ظاهرة تسمى ظاهرة الترحاب، حيث أن الآلاف من الألمان خرجوا لاستقبال اللاجئين وهذا يدل على أن عمق القيم لدى هذا الشعب متأصل، وأنا أتكلم عن تجربتي معهم خلال ثلاثين عاماً قضيتها بينهم.
وعندما تقع مشكلة ما يقوم العديد من الأطراف اليمينية المتشددة، والأطراف التي كانت ومازالت ضد سياسة ميركل، باستغلال هذا الوضع لصالحهم، والدليل على ذلك الاعتدءات التي حصلت من شباب لاجئين يوم رأس السنة في مدينة كولن.
وبالطبع الاعتداء الذي قام به الشاب على الفتاة هو عمل إجرامي ولابد أن يحاسب ويحاكم عليه، ولكنه اُستغل من قبل هذه الأطراف للتجييش ضد القادمين الجدد.
الآن المسلمون واللاجئون والمهاجرون عموماً هم في دائرة الشك، ماهي الخطوة الأولى التي يمكن أن يُدفع باتجاهها للخروج من هذه الدائرة؟
ليس لدينا أي حل نحن كأقلية مسلمة بمؤسساتنا وبأفرادنا إلا أن ننفتح أكثر فأكثر على المجتمع الألماني، فنحن مطالبون أكثر بفتح أبوابنا، وبدعوتهم إلينا، وإن لم يأتوا نذهب إليهم، وأن نتواصل معهم عبر اللقاء بهم، فلا بد لنا أن نمتلك شجاعة كبيرة جداً حتى نبدد خوف الآخر منا، فإذا توجب علينا أن نجعل مساجدنا من بللور فلتكن، لابد أن نذهب للآخر بكل شفافية، وبدون اللقاء سنبقى نعيش جنباً إلى جنب ولكن ليس مع بعض.
التعايش المشترك وتقديم أنفسنا كأقلية مسلمة بسلبياتنا وإيجابياتنا إلى الآخر يمكن أن يزيل حائط الجليد المبني بيننا.
هل هذا الموضوع قابل للتطبيق؟
نعم جداً، بدأنا العمل كأقلية مسلمة مع العديد من الجوامع من جنسيات وخلفيات ثقافية مختلفة للعمل على هذه القضايا، ولكن نحن للأسف أتينا من خلفيات منغلقة وثقافة خائفة كما قال ابن خلدون: “المغلوبون مولعون بتقليد الغالب”، فنحن الآن كمغلوبين نخاف من الآخر والذي هو الغالب، نخاف على أولادنا وبناتنا، نخاف على هويتنا وثقافتنا من تغييرها أو طحنها ضمن المجتمع الغالب، لذلك فإن الخائف دائماً يتقوقع على نفسه وينصب جداراً بينه وبين الآخر حتى يشعر بالأمان، ولكن نحن نقول إن مقاومة الخوف تتم باجتياز الحدود وليس برسمها.
خاص أبواب
اقرأ/ي أيضاً: