سامي حسن
بين التصنيف والتنميط ثمة فروقات جوهرية. فالأول يعتمد على أسس ودراسات وأبحاث ومراجع علمية، ويتناول الظواهر من جميع جوانبها، ويستعين بقواعد بيانات واحصاءات، ويعمم نتائجه المعرفية بعيدًا عن أحكام القيمة.
أما التنميط فهو البناء على أسس غير علمية، وبالاستناد لمعلومات غير كافية، والتعامل مع ظواهر الأشياء، وتعميم الصور والانطباعات كحقائق غير قابلة للنقاش.
هنا يمكن الاشارة إلى صور نمطية أو انطباعات تتشكل لدى الأفراد نتيجة احتكاكهم المباشر ومشاهداتهم اليومية (على سبيل المثال الانطباع بأن كل الذين يتهربون من الأجرة في الباصات هم من الأجانب) وصورة نمطية يجري تركيبها وتصنيعها في مختبرات أجهزة السلطات الحاكمة لا سيما وسائل إعلامها (مثال ذلك تصوير روسيا لتدخلها في سوريا بأنه حرب ضد الارهاب. وفي هذا السياق تأتي صورة الفرقة السيمفونية الروسية وهي تعزف في مدينة تدمر لتظهر حضارية التدخل الروسي).
ولتوضيح الفرق بين التصنيف والتنميط لا بد من بعض الأمثلة. إذا نظرنا إلى سلم عدد البحوث العلمية التي تنشرها الدول، يلاحظ على سبيل المثال أن ألمانيا في الدرجات العليا من السلم، بينما تتوزع الدول العربية في الدرجات الدنيا. هذا مثال على التصنيف الذي يستنتج منه أن التعليم ومناهجه في ألمانيا أكثر تطورًا منه في المنطقة العربية، وأن حجم الانفاق على البحوث العلمية في ألمانيا هو كبير جدًا، وكذلك عدد الباحثين والعلماء…إلخ.
إن الوصول إلى هذه الخلاصات أو الاستنتاجات وتعميمها لا يعني أننا أمام صورة نمطية. لكن عندما يتسع هذا التعميم ويصل حد القول إن الألمان عباقرة والعرب أغبياء، وأنه ليس لدى العرب باحثون وعلماء، و…إلخ نكون حينها أمام صورة نمطية لا أساس لها في الواقع.
بديهي أن هناك فروقات شخصية بمستوى الذكاء بين الأفراد بغض النظر عن جنسيتهم، لكن لا يوجد شعب أذكى من شعب. فبغض النظر عن الأعداد، هناك باحثون وعلماء عرب مثلما أن هناك باحثين وعلماء ألمان.
بالانتقال إلى مثال آخر هو واقع المرأة في أوروبا، يمكن القول بشكل عام أن المرأة اليوم متساوية مع الرجل، والقوانين تضمن ذلك. لكن ذلك لا يعني أن المرأة في أوروبا “من يوم يومها” متساوية مع الرجل.
لقد عانت المرأة في أوروبا في السابق من التمييز والاضطهاد. أكثر من ذلك، لا يمكن القول اليوم إن الفروقات قد انتفت تمامًا بين المرأة والرجل. من المؤشرات على ذلك انخفاض أجور النساء في ألمانية بمعدل 23% عن الرجال بحسب DW.
كذلك فإن مشاركة المرأة في المواقع القيادية في الدولة وفي الشركات هي أقل من الرجل (نسبة النساء في البرلمان الألماني 34%).
لكن هنا لا بد من ملاحظة مسألة مهمة، وهي أن البعض ممن ينتقدون التنميط ويرفضونه، يصل بهم الأمر أحيانًا حد رفض التعاميم والاستنتاجات المثبت صحتها. وهم بذلك، من حيث يدرون أو لا يدرون، يمارسون هم بأنفسهم شكلاً من أشكال التنميط أو ما يمكن تسميته التنميط معكوسًا.
فمثلا، يقفز أحدهم فوق الانجازات الهائلة التي حققتها المرأة الأوروبية، على سبيل المثال الألمانية، على صعيد المساواة مع الرجل ويبني استنادًا إلى الأرقام السابقة، صورة نمطية وحكمًا قاطعًا بأن هناك اجحافًا كبيرًا بحق المرأة في ألمانيا، وأن ما يقال عن قفزات نوعية حققتها المرأة في هذا البلد على صعيد مساواتها بالرجل ليس صحيحًا! وعندما يقال له إن المرأة في بلدك تعاني من التمييز والاضطهاد والتهميش، يسارع لرفض ذلك مستندًا إلى أمثلة مختارة كأن يقول لدينا نساء في أعلى المناصب الحكومية و….إلخ.
خلاصة القول، لا يمكن لكل ذي عقل إلا أن ينتقد التنميط ويرفض الصور النمطية، إيجابية كانت أم سلبية، التي يتم تداولها وتعميمها حول العديد من الظواهر. لكن رفض تعميم الظاهرة لا يعني بالضرورة رفض وجود الظاهرة بحد ذاتها.
*كاتب فلسطيني مقيم في مدينة ماينز