رشا سالم. كاتبة مصرية
أين ذهبت قيمة الأشياء داخلنا؟ سؤال نطرحه ونتعجب لما وصلنا إليه وبالأخص مع أبنائنا الذين لم يتعلموا أن يحافظوا على قيمة الأشياء داخلهم.
كل شئ يقل قيمةً مع مرور الزمن! وهو ما يشكل أزمةً في العائلات حيث تزداد شكاوى الآباء من عدم تقدير الأطفال لقيمة الأشياء التي لديهم. أعتقد أنها مشكلة حقيقية عند هذا الجيل.
فيقول أب: أشتري لابني أغلى الملابس والألعاب، ولكنه لم يعد يشعر بالفرحة بها أو حتى يُقَدّرها لثمنها الغالي، وهو لا يعرف بأن هناك أطفالاً آخرين يتمنون الحصول على إحدى هذه الثياب أو الألعاب.
ويقول أبٌ آخر: قدمت لإبني طلبات قبول في أغلى المدارس، ولكن بعد فترة قليلة لم يعد يهتم لقيمة هذه المدرسة أو أي شيءٍ أحدثه عنه لأنه يرى أن ذلك واجبٌ عليَّ، وأن كل الآباء يفعلون ذلك، وصل الأمر إلى أنه يهمل دروسه ولا يهتم بأي نشاطات مدرسية.
وتقول أم: أعطيت ابنتي كل ما تتمناه أي بنت في عمرها.. اشتريت لها الملابس الباهظة الثمن، ولم أكن أرفض لها طلب، سواء خروجات مع صديقاتها أو إقامة حفلات وغيرها الكثير.. ولكنني بعد فترة وجدت نفسي أقف أمام فتاة لا أعرفها، بسبب تمردها الدائم ورفضها لكل شيء، حتى النصيحة فلم تعد تسمعها مني.
وهناك مئات الشكاوي التي نسمعها كل يوم عن الأبناء، ونتساءل لماذا وصل الحال بنا لما نحن عليه وكيف وصل لذلك أبناؤنا؟ حاولت أن أبحث عن إجابات، فلم أجد إلا أن السبب الوحيد هم الآباء! نعم للأسف هم الآباء الذين يشتكون الآن.
فمن ناحية، الطلبات المجابة لهم في أي وقت ولا رفض لأي طلب، حتى أصبح الابن لا يُقَدِّر الشيء، أو يشعر بقيمته! ولماذا يشعر بقيمته؟ فإن ضاع فسيحضر الأب أو الأم غيره في الحال، وبالتالي يفقد الولد الفرحة بالمشتريات ويصبح كل شيء اعتيادياً، بل مفروضاً على أهله! وهنا أصل عدم تقدير الأطفال لقيمة الأشياء.
ومن ناحية أخرى يُعَوِّد الأب والأم أبناءهم على كثرة المشتريات والألعاب والمواد الاستهلاكية، حتى يشعروا أن ذلك طبيعي وكل البيوت هكذا، وبالتالي يفتقرون للاستمتاع بأي شيء.
وربما أيضاً من الأسباب المهمة والتي لها تأثير كبير جداً على الأبناء في زمننا هذا، هو ترك الأبناء طوال اليوم على مواقع السوشيال ميديا كالإنستغرام، الذي أصبح ملتقى للمظاهر، وكل شخص يستعرض ما عنده من ممتلكات ومقتنيات، مما جعل الأبناء لايشبعون ولا يكتفون بما عندهم. وربما يتسبب ذلك في إصابتهم بنوبات غضب واكتئاب.
وحل هذه المشكلة يكون عند الأب والأم ونضعها في عدة نقاط يقومان بها كليهما:
- يجب عليهم التقليل بشكل تدريجي من شراء الأشياء والمتطلبات قليلاً عما كانوا عليه، مع اتباع الوسطية في كل شيء، فلا يكون هناك منع أو تبذير حتى لا يشعر الأبناء بالتغيير المفاجئ.
- عند طلب أي شيء يجب مناقشة ما إذا كان الطلب مهماً حتى يأتي في الحال، أم يُمكِن الانتظار قليلاً، وتذكيرهم دائماً بعدم التبذير وتذكيرهم بالأطفال الأقل حظاً، ممن لا ملجأ لهم، أو فقدوا كل شيء في الحروب البلاد. وتذكيرهم بالحمد على النعم التي لا تعد ولا تحصى.. وضرورة مساعدة من يحتاج لمساعدتنا.
- تقليل دخولهم على مواقع السوشيال ميديا، وإقناعهم أنه من الخطأ التقليد الأعمى لشراء ملابس معينة أو الذهاب لأماكن باهظة الثمن لمجرد التقاط الصور ونشرها كما يفعل مشاهير السوشال ميديا.
وهكذا فيجب على الأب والأم بذل مجهود كبير وتغيير أساليبهما التربوية مع الأولاد، سيعانون قليلاً مع أبنائهم الكبار في تغيير الطريقة ومواجهة كثير من الاعتراضات والرفض في أول الأمر، ولكن يجب ألا ييأسوا ويواصلوا ويستمروا حتى يغيروا ما بنوه بأيديهم من قبل. وسيجدون أنه من السهل نسبياً التعامل بمثل هذه الطريقة مع الأطفال الصغار
ومع مرور الوقت سيقتنعون بهذا التغيير من داخلهم وسيعرفون قيمة الأشياء، وسيحافظون عليها.
اقرأ/ي أيضاً:
وجهة نظر: صراع أجيال أم اختلافات عصرية
إيذاء النفس لدى المراهقين.. ظاهرة لا يمكن تجاهلها
كيف نجيبُ عن أسئلة الأطفال عن الجنس؟