شام السبسبي. صحفية سورية مقيمة في دمشق
عشنا معاً لثمانية أعوام في منزل واحد، أما اليوم فأعوّد نفسي لأكتفي بتلويحات اليد في مكالمات الفيديو، إنه أمرٌ صعب للغاية لكن أملي بالله ما يزال كبيراً”. هكذا انتهت محادثتي مع “أصيل زخور” اللاجئ السوري في ألمانيا.
ما تزال مسألة لم الشمل في البلدان الأوروبية من أهم المسائل التي يواجهها اللاجئون منذ بدء موجة الهجرة، فهي مسألة قانونية ديناميكية تتأثر باستمرار بالأحداث السياسية والاجتماعية سواء أكان في البلد الأم أو في بلدان اللجوء.
وفي هذا التحقيق نسلط الضوء على أبرز المشكلات المستجدة على ملفات لم الشمل العالقة في دوائر الهجرة الألمانية، فكيف أثر الفيروس المستجد كوفيد-19 على أوراق لم شمل اللاجئين السوريين؟ وكيف غدا إتمام المعاملات مرهوناً بالكوارث المتلاحقة على العاصمة اللبنانية بيروت بعد انفجار المرفأ؟
الأوراق عالقة.. والسفارات تغلق أبوابها في وجه اللاجئين
وصل “عمار أبو قاسم” إلى ألمانيا عام 2015، ويقيم اليوم في ولاية نورد راين فستفاليا NRW؛ وكالعديد من السوريين لم يوفق في لم شمل زوجته. يقول عمار لأبواب: “أنا هنا منذ خمسة أعوام وحتى اللحظة ما من أسباب واضحة وراء تأخر أوراق زوجتي، علماً أنني وكلت محامياً لمتابعة هذه القضية منذ البداية، وهو يبذل جهداً كبيراً. ولكنْ مع أزمة كورونا أعتقد أن المسؤولين عن الملف وجدوا حجة جديدة للمماطلة في الأوراق، خاصةً وأن السفارات أصبحت تقدم خدماتها إلكترونياً فقط”.
اقرأ/ي أيضاً: الزاوية القانونية: لم الشمل عن طريق الكفالة المالية وفق القانون الألماني
يعتقد عمار، أن ثمة مشكلات أخرى أيضاً يعاني منها طالبو لم الشمل، وتكمن في دوائر الهجرة الألمانية؛ فيقول: “مشكلة البيروقراطية؛ فالموظف الذي يستلم الملف هو صاحب القرار الأول والأخير؛ فقد يكون الموظَف مثلاً تابعاً لحزب اليمين المتطرف AFD، أو من الأجانب المجنسين، وبعض هؤلاء يُعرفون بعنصريتهم تجاه السوريين. وهناك احتمالات أخرى كأن يكون الملف مفقوداً من أصله!”.
ويضيف عمار: “إن غياب قانون واضح يحدد مهلة زمنية لهذا النوع من المعاملات أيضاً سبب كفيل بعرقلة سير الأوراق. وكما نعلم فإن قانون الـ 1000 تأشيرة شهرياً لم يطبق كما يجب حتى الآن!”.
بيروقراطية مكتبية أم تحايل على القوانين؟
الأمر مختلف من وجهة نظر رجل القانون السوري “هلال شلبي” المقيم في ألمانيا، فالمشكلة ليست مشكلة بيروقراطية دوائر الهجرة فحسب، وإنما يضاف لذلك تعامل بعض اللاجئين مع هذه الدوائر والقوانين، فيقول “هناك موظفون سيئون لا ننكر ذلك، ولكنها حالات نادرة؛ فالموضوع غير متعلق بهم، بل ببعض اللاجئين وبالإجراءات والأوراق الخاطئة أو الناقصة التي يقدمونها”.
اقرأ/ي أيضاً: لم الشمل.. مصدر للاكتئاب والتفكّك الأسريّ
ومن تجربته الطويلة مع ملفات لم الشمل والهجرة يذكر المحامي شلبي أوجه هذه الأخطاء أو الحيل التي يرتكبها بعض اللاجئين ويقوم هو برصدها وتصحيحها، فيقول: “في ظل عملي هذا تصادفني تحايلات مخجلة جداً في أوراق طالبي لم الشمل: تلاعب بالأسماء، وغياب الصور الفوتوغرافية الضرورية لإثبات الزواج، وهناك أيضاً من يقدمون الأوراق بصكوك زواج مؤرخة بتاريخ مغاير لبيان الزواج؛ وهذا ما يدفع بالموظف إلى توقيف المعاملة ويطلب من اللاجئ إعادة العمل من جديد على الأوراق”.
ويضيف باستنكار: “ليس من المعقول أن لا يمتلك الرجل صوراً لحفل زفافه مثلاً، أو أن يحضر بيان زواج بلا وكالة، أو أن يكون متزوجاً لمدة ست سنوات ويجلب عقد زواج من سنتين! هؤلاء يتعمدون غش الحكومة الألمانية؛ فلا تتمم الأخيرة لهم أوراقهم”.
شظايا انفجار بيروت تطال ملفات لم الشمل!
“أصيل زخور” هو أحد قاطني دريسدن الألمانية منذ ما يقارب الأربع سنوات، وعن تجربته مع لم الشمل يقول: “مشكلتي هي في البيروقراطية وعدم تطابق قوانين الولايات الألمانية، إضافة إلى ضياع الوقت ما بين السفارة ودائرة الأجانب وتأخر ردود الطرفين. أحاول لم شمل زوجتي منذ العام 2016، لكن القانون الألماني لا يعترف بما ندعوه في سوريا “كتاب شيخ”، بل يعده تزويراً، ويطلب وثائق مصدقة من المحكمة. وفي سوريا يمنع على الشاب تثبيت زواجه بالمحكمة بدون موافقة شعبة التجنيد، وهذا كان يعني بالنسبة لي سحبي إلى خدمة العلم التي كنت متخلفاً عنها آنذاك”.
رُفِضَتْ أوراق لم الشمل الخاصة بأصيل، إلا أنه لم ييأس بل آثر المحاولة بطريقة أخرى وهي الادعاء بأن زوجته هي خطيبته التي سيتزوجها بعد قدومها إلى ألمانيا، مما زاد الأمر تعقيداً: “قررت الادعاء بأن زوجتي هي خطيبتي، لكنهم اشترطوا أن يكون راتبي الشهري 2400 يورو كي تتم العملية التي خططت لها، وفي ألمانيا حتى المواطن الألماني العادي لا يقبض 2400 يورو شهرياً”.
كان إهمال موظفي السفارة السورية وتقاعسهم إضافةً إلى إغلاق السفارة في بيروت، عاملين ساهما في تأخير أوراق أصيل الذي سافر عدة مرات إلى لبنان لمراجعة السفارة، وكان يُرَد خائباً في كل مرة: “هكذا أصبح ملفي معلقاً في السفارة السورية في بيروت والمعروفة ببطئها الشديد في إتمام هذا النوع من المعاملات، عدا عن شروطهم المتعلقة بمستويات اللغة والفحوصات الكتابية والشفهية، وتأخرهم في معاودة التواصل مع العملاء أو عدم التواصل أبداً. وفوق هذا كله أغلقت السفارة أبوابها بعد أزمة كورونا وأصبحت تقدم خدماتها إلكترونياً، وتلا ذلك تفجير بيروت الذي زاد الموضوع تعقيداً”.
ويضيف مستنكراً: “إذا عطس مواطن في بيروت سترين السفارة السورية تغلق أبوابها بوجه المراجعين؛ فما بالك بتفجير ومظاهرات؟”.