خاص – أبواب
وفاءً لذكرى المخرج السوري الراحل نبيل المالح، أطلق المهرجان الاسكندنافي السينمائي الدولي على هامش فعالياته “تظاهرة الأفلام السورية” والتي حملت اسم “تظاهرة نبيل المالح”، تكريمًا لـ “شيخ المخرجين السوريين” نبيل المالح الذي غيبه الموت في 24 شباط/ فبراير الماضي، عن عمر يناهز الثمانين عامًا في دبي، حيث كان يقيم منذ بضع سنوات بعد خروجه من سوريا نتيجة مواقفه الوطنية المعارضة للنظام.
وبحسب ما كتب المخرج السوري الشاب غطفان غنوم (مدير المهرجان) على صفحته الشخصية على “فيسبوك”: “لذكرى المخرج السوري الراحل المرحوم نبيل المالح عقدتُ تلك المبادرة الطيّبة متمثّلة في التظاهرة السورية للأفلام وذلك ضمن فعاليات المهرجان الاسكندنافي السينمائي الدولي الذي ستنطلق فعالياته في أيلول (سبتمبر) القادم من السابع وحتى الثاني عشر منه، وبصفتي مديرًا عامًّا للمهرجان أشكر كل من بادر من الأصدقاء السوريين “المخرجين” بمحبة”.
من السيرة والمسيرة ..
قدّم المخرج الراحل نبيل المالح أعمالًا سينمائية لاقت رواجًا وتأثيرًا وحصدت جوائز عربية وعالمية منها أفلامه “رجال تحت الشمس” عام 1970 ثم فيلم “الفهد” عام 1972 و”كومبارس” عام 1993 ومن أفلامه القصيرة، إكليل شوك عام 1968، وإيقاع دمشقي، نابالم، الدائرة، النافذة. وفي التلفزيون كتب مسلسل “حكايا وخفايا” 2005.
إضافة لإخراجه للعشرات من الأفلام الروائية والتسجيلية والتوعوية، والتي بلغت نحو 170 عملاً سينمائيًا، كيف لا، وهو الذي آمن بالسينما كفن للتغيير كما آمن بالمستقبل السوري منتصرًا على الطغاة.
وقد حقق الفنان الراحل الكثير من الإبداعات السينمائية وفق اجماع النقاد وكان صاحب مدرسة خاصة في الفن السابع جمعت بين الشرق والغرب، ورحل المالح بعيدًا عن وطنه سوريا حيث كان يقول دوما “أحلم بالتغيير الذي طالما عملت لأجله في بلدي سوريا” رحل قبل أن يرى حلمه يكتمل .
وكان فيلمه “الفهد” قد اختير في عام 2005 كواحد من الأفلام الخالدة في تاريخ سينما القارة الآسيوية، في مهرجان بوزان السينمائي الدولي العاشر في كوريا الجنوبية. كما نال فيلمه “الكومبارس” جائزة أفضل إخراج من مهرجان القاهرة وجائزتي التمثيل من مهرجان السينما العربية في باريس، وأفضل سيناريو من مهرجان فالنسيا وفضية مهرجان ريميني.
عن “الفهد” شيخ السينمائيين السوريين
واستذكارًا للفنان السوري المبدع بعد خمسين يومًا على رحيله، نسلط في “أبواب” الأضواء على فصولٍ من حياة واحد من المبدعين السوريين الكبار، الذين استطاعوا رغم سنوات القمع أن يفتحوا ثغرة في جدار المنع والاضطهاد الأصم ليرفعوا اسم سوريا ويحضّروا شبابها لثورة الحرية والكرامة..
المخرج السينمائي السوري الشاب عمّار البيك، كان أول من تحدث لـ”أبواب” قائلًا: “النَّبِيلُ: الشَّريفُ والجمع: نُبَلاءُ نَبِيلُ الأَخْلاَقِ: شَرِيفٌ يَنْتَمِي إِلَى عَائِلَةٍ نَبِيلَةٍ ونَبِيلُ الرَّأْيِ: جَيِّدُهُ الكلمة ومعانيها تنطبق بالمُطلق على هذا الإنسان، تلك القامة الكبيرة في تاريخ سورية المُعاصر، رحيل النبيل نبيل المالح كما رحيل النبيل عُمر أميرالاي قبلهُ، رحيلهما يزيد الخسارة خسارة في سوريا، سينمائيون أعلنوا صراحةً موقفًا ضد النظام القمعي في سوريا، من خلال أفلامهم ومواقفهم، نبيل وعُمر رحلا حتى قبل أن يشهدا على حُرية شعب لطالما نادوا بها، نبيل رحل في الغربة ليكلّف عائلتهُ عناء البحث عن قبر بعيدًا عن الوطن، وأيُ وطن لايستطيع كبارهُ حتى أن يدفنوا في ترابه، يموتون غرباء ويعيشون فيه غرباء. في آخر لقاء لنا في دبي سنة ٢٠١٤ بينما التقينا صدفة خلال أحد معارض الفن، همس نبيل في أذني بالصوت الواثق والعارف وبكل مايتمتع هذا الرجل من مهارة انتقاء الألفاظ ومعانيها، قال بالشامية المُحببة: “لازم تعرف ياعمّار أنو مُخرج السينما ببلدنا ويلي لسا موجود جوا، لازم تكون متأكد أنو ماصرّح بتاتًا بأي موقف ضد بشار الأسد ونظامو، وإلا كانوا اعتقلوه وعذبوه ويمكن قتلوه، ومشان هالسبب نحنا متل كتيرين متلنا “سينمائيي الخارج” مضطرين نكون غرباء في دول هالعالم وصناعة أفلامنا تصير متل الحلم يلي صعب يتحقق لأن ظروف الحياة ظروف صعبة وقاسية”، وأضاف قائلًا: “وأما بالنسبة “لسينمائيي الداخل” فلازم تكون متأكد أنو كل حدا فيهم وراه ضابط مخابرات أو قصر جمهوري بيساعدو ليعمل أفلامو وبيساعدو ليتنقل عالحواجز ببطاقات أمنية، للأسف هدول السينمائيين مو بس سرقوا فرص الجميع بل أعلنو موت سينماهم وأفلامهم بإيدهم”.. رحم الله نبيل الصديق والإنسان والسينمائي صاحب الفضل الكبير على السينما السورية، وداعًا أيها النَّبِيلُ وداعًا أيها “الفهد”.
ومن مقر إقامته في دبي قال الإعلامي السوري جمال آدم، لـ”أبواب”: “لم يكن قدوم المخرج القدير نبيل المالح ليُدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق أمرًا عاديًا فقد كان حضوره بيننا احتفاء بالفن الأكاديمي الملتزم وصاحب الحضور اللافت في العالم؛ في تلك الأيام كان ثمة صراع بين المخرجين التلفزيونيين لتجسيدهم لغة سينمائية في أعمالهم مع اتساع شعبية المخرج نجدت أنزور حينها، استغل تدريسه لنا على مدار عام تقريبًا ليشرح معنى اللغة السينمائية والتلفزيونية.
كانت آراؤه أكاديمية وكان محملًا بنشوة المنتصر إثر تقديمه لأحد أبرز الأعمال السينمائية السورية آنذاك فيلم “كومبارس”، الذي يعتبر من أكثر أفلام المؤسسة العامة للسينما أهمية. أذكره اليوم كما أتذكر كيف لقننا معنى السينما وجدواها وتأثيرها.. غاب النبيل في زمن مالح، مات أسى ولوعة لغيابه عن المشهد الشامي، إنها ميتة غير وطنية إن جاز للغة أن تسمح لنا بتجيير مفرداتها، أن يموت المرء بعيدًا عن أرضه ووطنه في الغربة أقسى من الموت نفسه. الخلود لروحك يا استاذي”.