نحو سّتّين ملصقًا فلسطينيًّا تروي صفحاتٍ من تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة تعرف عليها الجمهور الفرنسي على مدى ثلاثة عشر يومًا. بمبادرة قام بها كلٌّ من الفنّان الفلسطينيّ الملتزم أحمد داري، والفوتوغراف الفرنسيّ Joss Dray، بالإضافة إلى النّاشطة المكسيكيّة، لبنانيّة الأصل، Janela Gosain، بهدف تسليط الضّوء على الملصق الفلسطينيّ بوصفه شاهدًا أساسيًّا على مراحل عدّةٍ من النّضال الوطنيّ الفلسطينيّ. وقد سمح وجود المعرض وسط باريس، للعديد من المهتمّين بالقضيّة الفلسطينيّة وفنّ الغرافيك، وكذلك السّيّاح، من حضوره.
يقول الفنّان الفلسطينيّ أحمد داري، مؤسس ومدير المنتدى الفلسطينيّ للثّقافة والإعلام في باريس، “تميّز الملصق الفلسطينيّ بقدرته الكبيرة على رصد ونقل المشهد الفلسطينيّ، وتأثيره المباشر والسّريع في الرّأي العامّ، متجاوزًا الجغرافيا السّياسيّة لفلسطين، ومؤكّدًا على شراكةٍ عالميّةٍ في الانتماء للقضيّة الفلسطينيّة، حاملًا خطابها السّياسيّ وروحها الثّوريّة إلى ساحاتٍ عدّةٍ، ومرافقًا بأمانةٍ عذابات وانتفاضات الشّعب الفلسطينيّ على مدار سبعين عامًا”. مضيفًا: “شارك الملصق الفلسطينيّ في كلّ المعارك، السّياسيّة والمسلحة، وفي الاستحقاقات الوطنيّة، كما شكّل عنصرًا أساسيًّا في الدّيكور الدّاخليّ للبيت الفلسطينيّ، وفضاءً رحبًا لمخيّلة الفنّان الّذي استخدمه واجهةً لإنتاجاته وأعماله التّشكيليّة، الغرافيكيّة والتّصويريّة. ولقد كان الملصق صوت الفلسطينيّ المرئيّ، والمحفّز القويّ للعمل النّضاليّ، موثّقًا، باللّون والصّورة، العديد من عناصر ومشاهد القضيّة؛ النّكبة، العودة، المجزرة، المواجهة، الشّهيد، الأسير، المرأة، الطّفولة، الثّقافة..، ومعبّرًا عن أحلام وتطلّعات الشّعب الفلسطينيّ في تحقيق أهدافه الوطنيّة”.
وقدّم معرض باريس مجموعةً كبيرةً من الملصقات الّتي اختيرت لتمثّل أكثر من مرحلةٍ تاريخيّةٍ، ولتبرز حجم التّضامن العالميّ مع الفلسطينيّين؛ إذ جمع المعرض ملصقاتٍ صُمِّمَتْ وطُبِعَتْ في عدّة دولٍ من العالم، أظهرت وقوف العديد من الدّول وحركات التّحرّر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللّاتينيّة، إلى جانب نضالات الشّعب الفلسطينيّ، كذلك القوى اليساريّة الأوروبيّة وجمعيّات التّضامن العريقة، الّتي كان وما زال لها تأثيرٌ مهمٌّ في تقديم الصّورة الحقيقيّة للقضيّة الفلسطينيّة وعدالة مطالبها.
وخصّص المنظّمون في افتتاح معرض باريس مساحةً مهمّةً للحديث عن الشّهيد عزّ الدّين القلق، ثاني ممثّلٍ لمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة في فرنسا، والّذي اغتيل في مكتبه بباريس يوم 2 آب (أغسطس) 1978.
ومن الملصقات الّتي عُرِضَتْ، ملصق جبل المحامل للفنّان التشكيلي الكبير سليمان منصور، الّذي نال شهرةً كبيرةً ودخل معظم البيوت الفلسطينيّة، بالإضافة إلى أعمالٍ غرافيكيّةٍ للفنّان عبد الرّحمن المزيّن، وأخرى للفنّان السّوريّ الراحل برهان كركوتلي، الّذي كرّس حياته في رسم تفاصيل كفاحيّةٍ للثّورة الفلسطينيّة عبر أعمالٍ تُعَدّ أيقوناتٍ حقيقيّةً في الفنّ الغرافيكيّ.
كما عُرضت ملصقاتٌ من أعمال الفنّان الغزّي فتحي غبن، والفنّان سمير سلامة، والفنّان السّوريّ المرحوم نذير نبعة، صمّمها لحركة فتح في ستينات القرن الماضي، بالإضافة إلى أعمالٍ لرسّام الكاريكاتور، الشّهيد ناجي العلي، الّذي كرّست أعماله شخصيّة حنظلة في الذّاكرة الوطنيّة، وملصقاتٍ من أعمال رسّامين ومصمّمين عربٍ وإيطاليّين وروسٍ وفرنسيٍين وبريطانيّين، وجنسيّات أخرى. كما اهتمّ المعرض بتخصيص جانبٍ لملصقات رسوم الأطفال الفلسطينيّين، وأعمالٍ ثقافيّةٍ بحتةٍ من ملصقاتٍ لأفلام فلسطينيّةٍ ومهرجاناتٍ فنّيّةٍ وتراثيّةٍ، بالإضافة إلى مجموعةٍ من الملصقات الّتي أنتجتها الأمم المتّحدة.
جدير بالذكر أنّ المصدر الأساسيّ لمعرض الملصقات كان من المجموعة الشّخصيّة للفنان أحمد داري، والّتي تضمّ ما يقارب الخمسمائة ملصقٍ، بالإضافة إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ لدى مهتمّين فرنسيّين وفلسطينيّين.