د. هاني حرب. باحث في جامعة هارفارد – US، باحث سابق في جامعة فيليبس ماربورغ – ألمانيا
خلال الأسابيع القليلة الماضية صدمتنا أخبار عدة جرائم جنسية قام بها لاجئون من جنسيات مختلفة؛ عراقيون وسوريون وأفغان. بالطبع قامت وسائل الإعلام الألمانية وبطريقة “استفزازية” بالتركيز الرهيب على هذه الجرائم وكأنها الصورة التي تمثل القادمين الجدد أو المهاجرين إلى ألمانيا.
ليس جديداً تركيز الإعلام الألماني وتسليطه الضوء بشكلٍ مكثف على الجرائم عموماً –وعلى الجرائم الجنسية بشكلٍ خاص- في أوساط المهاجرين، فهذه ظاهرة اجتماعية عبر العالم وليس فقط في ألمانيا. ويركز الإعلام لاسيما اليميني على ارتفاع عدد الجرائم الجنسية بالتناسب مع زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين الواصلين إلى ألمانيا.
خلال عام ٢٠١٦ ارتفع عدد الجرائم الجنسية في ألمانيا التي قام بها أجانب من ٤.٦٪ إلى ٩.١٪، هذه الزيادة الهائلة والتي تمثلت ب ١٠٠٪ كان مردها الأساسي زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين الواصلين إلى ألمانيا خلال عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥، والذي قُدِّر بحوالي مليون مهاجر خلال هذين العامين. وبشكل عام شكلت هذه الجرائم حوالي ١٠٪ من الجرائم الجنسية الكلية التي ارتُكِبت في ألمانيا، وحسب الإحصائيات فإن عدد الأجانب أيضاً في ألمانيا لم يتجاوز ١٠٪. ولكن لابد من الإشارة إلى أن هذه النسبة في الجرائم تساوي نسبة الإجرام الموجودة في المجتمع المحلي الألماني أيضاً.
يمكن تناول الأمر هنا من وجهتين أساسيتين:
- الأولى تتمثل في الخلفيات الثقافية/الاجتماعية التي حملتها فئة من المهاجرين إلى ألمانيا بخصوص المرأة، كاعتبار جسد المرأة عورة، أو أنها سلعة تباع وتشترى وما نراه حالياً من ارتفاع المهور بين المهاجرين الجدد في ألمانيا لما يتجاوز 30 ألف يورو دليل على هذا الأمر، أو إيجاد المبررات لما يسمى جرائم الشرف أو التعاطف مع مرتكبي العنف ضد النساء.
إن هذه الخلفيات لا يمكن محوها بين ليلة وضحاها ولن تتمكن دورات الاندماج أو محاضرات التوعية من تغييرها ببساطة، مادامت تستخدم نفس الأسلوب الألماني في الطرح وطريقة إيصال المعلومة والتعاطي دون تفهم عميق لآليات تفكير هؤلاء المهاجرين مع الابتعاد عن التعميم. وفي المقابل نقرأ يومياً عشرات المنشورات ضمن المجموعات الخاصة بالمهاجرين، التي تدعو لإرساء قواعد الدين الإسلامي في ألمانيا، أو الحث على عزل الأبناء عن المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه وكأنه مجتمع تتفشى فيه الانحراف وتتشوه فيه الأخلاق.
- أما النقطة الثانية فتتمثل في طريقة التعامل مع المهاجرين الجدد الذين لم ينخرطوا بعد في المجتمع الألماني، سواء بسبب بقائهم لفترة قد تمتد لسنوات ضمن مخيمات اللجوء أو حتى في منازل خاصة ولكنهم مقيدون بمناطق معينة للإقامة لا توفر لهم إمكانيات العمل والاحتكاك الاجتماعي بالآخرين، مما يخلق نوعاً من العزلة يعزز الشعور بالرفض والدونية.
ربما يمكن تشبيه هذا الوضع بالمثال الفرنسي المتبع لسنوات طويلة مع المهاجرين والذي أدى لنشوء جيل كامل من المهاجرين الكارهين لما يدعى “القيم الفرنسية” لأنها لم تجلب لهم التطوير والتعليم بل عززت الاستبعاد والعزل، وهذا بدوره سمح بتفشي العديد من الظواهر السلبية كالإتجار بالمخدرات وزيادة معدلات الجرائم الجنسية وغيرها بين المهاجرين وضد أقرانهم وجيرانهم.
لا شك أن السياسة الحالية للحكومة الألمانية تبذل جهوداً كبيرة مجال “الاندماج” ولكن من مفهوم ضيق لا يتعدى إدخال المهاجرين إلى سوق العمل. كما أن التغييرات السياسية في الحكومة الحالية وتوجهات العديد من منابر الإعلام الألماني في التركيز على وقائع جرمية بعينها تضيق الخناق على المهاجرين وتضعهم جميعاً في بؤرة الاتهام، مما قد يزيد فرص بناء تجمعات منعزلة للمهاجرين تماماً كما حصل في ستينيات وتسعينيات القرن الماضي.
وبالعودة إلى الجرائم المرتكبة من قبل اللاجئين، علينا أن نعترف أن هذا الأمر سيصبح مع الوقت مشكلة أساسية ستتحدد بموجبها الكثير من السياسات الحكومية تجاه المهاجرين في السنوات القادمة، ولا بد لذلك من إيجاد حلول لتجنب الآثار السلبية على المهاجرين والمجتمع المحلي، ولعلّ أولى هذه الحلول التواصل مع المهاجرين بشكل أكثر فعالية من خلال جمعيات مدنية تشبههم نسبياً في اللغة وطريقة التفكير، يمكنها إيصال الأفكار الجديدة وشرح الاختلافات الحضارية واقتراح الحلول باستخدام لغتهم الأم، ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من الجمعيات والمنظمات الأهلية التي أسسها مهاجرون قدماء وجدد في ألمانيا وتعمل في هذا المجال، والتي يجب تعزيز دورها من خلال العمل المشترك مع جهات ألمانية رسمية أو غير رسمية. كما أن هناك تجارب غنية جداً لدى الجاليات القديمة والتي يمكن الاستفادة منها واعتبارها صلة وصل ما بين الواصلين الجدد والمجتمع المضيف وبوصلة للوصول للشكل الأمثل من المواطنة.
أخيراً، كأي مشكلة اجتماعية، يحتاج الحل دوماً إلى تعاون الطرفين والتحرك نحو نقطة لقاء. وهذا يحتاج للفهم المتبادل أولاً، وبناء منظمات تساعد المهاجرين بشكل أكبر على إيصال أصواتهم وعلى الانخراط الفعال في المجتمع الألماني، ومن ثم إحداث تغييرات إيجابية في سياسات “الاندماج” والعمل.
اقرأ أيضاً: