وردة الياسين
الاضطرابات النفسية ، هي أيضاً تلاحق السوريين
دخلت أسماء المشفى الحكومي في عينتاب عدة مرات في حالة إسعافية، لاعتقادها بأن جلطة قلبية تداهمها. لكن وفي كل مرة كانت تخرج من المشفى دون أن يصف لها الطبيب حبة دواء واحدة! بل وأكثر من ذلك كان يخبرها بأن قلبها بقوة قلب حصان.
أسماء البالغة 37 عاماً، من مدينة داريا السورية ولاجئة في تركيا منذ عام 2016، لم تتوقع يوماً بأن الرجفة والقشعريرة في أطرافها، وبأن ما عايشته في لحظات من شعورٍ بالاختناق الشديد، وبأن قلبها سيقفز من مكانه بسبب تسارع ضرباته، ثم إحساسها بأنها تدنو من موت وشيك، ليست علامات جلطة، بل هي عوارض لـ”اضطراب الهلع”!
يعد اضطراب الهلع واحداً من الاضطرابات النفسية ، التي ازدادت نسبة انتشارها بين السوريين إبان الحرب والنزاع المستمر. فقد قدرت دراسة أجراها المجلس الاتحادي الألماني للمعالجين النفسيين في 2015، أن نصف اللاجئين السوريين في ألمانيا لديهم مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، لكونهم ضحايا للعنف أو شهود عليه.
وتفيد السلطات التركية بأن 55 %من اللاجئين السوريين هناك في حاجة لخدمات نفسية، وأن نصف الأسر السورية تقريباً يرون أنهم هم أو عائلاتهم في حاجة لمساعدات نفسية.
وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن “أكثر المشكلات السريرية شيوعاً وأشدها قوة بين السوريين هي الاضطرابات العاطفية، مثل الاكتئاب، واضطراب الحزن الطويل، واضطراب ما بعد الصدمة، وأشكال متعددة من اضطرابات القلق”.
محمود عثمان أخصائي نفسي: “القلق على الحياة، الذي ولدته الحرب السورية، كان عاملاً هاماً أدى إلى ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية والعقلية بين السورين. ويأتي هذا القلق بصورة تهديد مباشر كالقلق من الموت، الاعتقال، التعرض للمجازر الجماعية.. أو على شكل تهديد غير مباشر كالقلق من صعوبة تأمين حاجات الحياة الأساسية، النزوح، التشرد. طول أمد الأزمة السورية، أنهك الشعب السوري المضطهد، الذي لم يتمكن أساساً من التعبير بحرية عن انفعالاته، وأوجدت ذلك القلق المتصف باستمراريته، الذي يعمل على تدمير جهاز المناعة في الجسم وبالتالي ضعف الجسم بشكل مستمر”.
ويضيف: “يعاني السوريون عموماً حالياً من ضغوطات مركبة، اقتصادية، صحية، سياسية، اجتماعية. بالإضافة لضغوطات ناتجة عن اللجوء ومن أهمها صعوبة الاندماج والشعور بالنظرة الدونية في المجتمعات المضيفة، وإحساس بانسداد الآفاق على أي صعيد كان، مما يترتب عليه انفعالات نفسية لامتناهية واضطرابات نفسية وعقلية مختلفة التسمية”.
“تؤدي الأمراض أو الاضطرابات النفسية إلى ظهور أعراض جسدية، كالصداع والشعور بالدوران أو الغثيان، تشنجات في العضلات والمعدة، آلام في الصدر والمفاصل، وهن وضعف عام في الجسم، وطبعاً تختلف الأعراض وشدتها بين مرض وآخر ومن شخص لآخر. ويبدأ الشخص بزيارة الأطباء والعيادات والمشافي بحثاً عن تفسير عضوي لمرضه النفسي” يقول الأخصائي النفسي محمود عثمان عن أعراض المشاكل النفسجسدية.
دخلت “لما” إلى تركيا عام 2018 بعد أن تهجرت من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، وهي تخضع منذ أربعة أشهر للعلاج السلوكي المعرفي. وهو تقنية علاجية للتعامل مع الاضطرابات النفسية، وأخبرها طبيبها بأنه سيساعدها على التكيف مع مواقف الحياة الضاغطة والجديدة في الغربة، كالتعامل مع الحزن أو الخسارة والفقد، والسيطرة على أعراضها البدنية كتشنج عضلات كتفيها ورقبتها الحادة والناشئة عن اضطراب القلق.
“كمقاتلٍ على جبهات القتال، أصيب في المعركة، فجعلته إصابته ينزف بشدة، لم يشعر هو بألم إصابته ولم يرَ دمه النازف، إلا عندما جره أصدقاؤه من أرض المعركة غصباً، حينها بدأ يشعر بآلامه، وبالفزع من دمائه النازفة إذ يتحسسها”، هذا ما كان يقوله طبيب “لما” النفسي لها، عندما كانت تستهجن بشدة مرضها النفسي بعد أن أصبحت في مكان أكثر أمناً، وهي القوية الصلبة أيام الغوطة الشرقية رغم القصف والحصار.
إلى جانب النزوح والتهجير والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، تضاف الاضطرابات النفسية والعقلية بدورها إلى قائمة طويلة من الأمور التي يحتاج السوريين إلى حلها وعلاجها والتخلص منها.
اقرأ/ي أيضاً:
تطبيقات ذكية للمساعدة النفسية للاجئين تطورها منظمة داعمة
وسائل التواصل الاجتماعي ما بين المغتربين وأقرانهم.. كيف تصبح حتى الأخبار المفرحة سبباً للاكتئاب
أمراض المهاجرين، متلازمة أوليسيس .. ضغوط الاغتراب وغياب الرخاء الاجتماعي – الجزء الأول