قرأت كثيراً عن تجارب جميلة لسيدات كنت أستمد منهن الكثير من الطاقة والتحدي. سيدات تمكَّن من النجاح وسط كل القلق والهزائم النفسية التي مررنا بها كسوريين وهذه معجزة حقيقية.
اليوم سأكتب عن تجربة ناجحة لطفلتين، ربما يكون في سردها حافز لكثير من الأمهات الجميلات لمواصلة الاهتمام بـ (تعلم اللغة الأم) من ناحية وبمواهب أطفالهن من ناحية اخرى.
حنين 12 سنة وسما 9 سنوات تكتبان القصة القصيرة باللغة العربية منذ سن الخامسة تقريباً، حنين أصدرت وهي في الحادية عشرة من عمرها كتابها الأول “علاء والذئب الطائر”، وسما في الثامنة “فروشة وملون”. لدى كل من حنين وسما لغة عربية سليمة رغم عدم تمكنهما من الدراسة في سوريا وكلاهما موهوبتان في كتابة القصة.
أتقنت حنين القراءة باللغة العربية في سن الثالثة، وكانت تتحدث باللغة العربية الفصحى في سوريا أفضل من معلمتها في الروضة. سما أتقنت القراءة في الخامسة تقريباً. منذ الأيام الأولى من الحمل كنت أتحدث معهما باللغة العربية الفصحى وبعد الولادة ومنذ اليوم الأول أقرأ القصص لهما بشكل يومي، وأحاول قدر الإمكان أن أستعمل العربية الفصحى في كلامي. وكنا نربط أحرف الأبجدية بكل الألعاب التي نلعبها. وبهذا تمكنتا في سن مبكرة من إتقانها بدون عناء.
أنا ووالدهما نكتب القصة القصيرة، ولكني لا أؤمن بأن الموهبة تورَّث. قد يورَّث الاستعداد للموهبة أما الموهبة فهي تنمو بالتدريب والممارسة، وعلينا نحن كآباء وأمهات مساعدة الطفل على اكتشاف موهبته وتنميتها.
كنا ننظم في المنزل بشكل أسبوعي ورشات كتابة القصة القصيرة وننفذها بأساليب مختلفة، كأن يطرح أحدٌ منا فكرة معينة بسيطة أو يذكر موقف معين ونقوم نحن بوضع مقترحات لتطويره وإضافة شخصيات أخرى، ونحصل في النهاية على قصة قصيرة. أو نقوم بقراءة قصة حتى منتصفها وكل واحد منا يكمل القصة بطريقة مختلفة. مع المطالعة اليومية قبل النوم. وشيئاً فشيئاً صارت كلٌ منهما تكتب لوحدها ولها نتاج أدبي خاص بها. لم يكن الهدف من تلك الورشات أن يصبحن كاتبات، ولكني كنت أريد تعزيز اللغة العربية وأهمية تعلم اللغة الأم من خلال هذا النشاط مع الكثير من الفوائد الأخرى أهمها تنمية الخيال، وهو العصب الأساسي لأي عمل إبداعي في كل مجالات الحياة. كما ينمي اعتياد الأطفال على التعبير عن أنفسهم مما يجعلهم أكثر توازناً.
أنا سعيدة بكل لحظة أنفقتها وأنا أعمل معهن على تطوير هذه الموهبة وكذلك والدهما. حنين وسما قد لا تتابعان كتابة القصة حين تكبران، حنين تعزف كلارينت وتحب الرسم. سما تعزف الكمان وتحب الطبخ، وأمام كل منهما وقت طويل لتكتشف أموراً أخرى ولكن المهارات التي اكتسبتها من القراءة سوف ترافقها مدى الحياة.
هذه التجربة السعيدة للطفلتين مكنتهما من تجاوز ذكريات الحرب والانطلاق بثقة في بلد مثل ألمانيا. كنت أريد لهما أن تعيشا حياة مليئة بالشجاعة والحب وأعتقد أنني في الطريق الصحيح. وهذا جعلني أفكر بإمكانية تنفيذ ورشات كتابة القصة القصيرة مع أطفال آخرين في وقتٍ ما.
صدر الكتابان عن جمعية Schritte für soziale Entwicklung e.V
ويتم التوزيع مجاناً في نقاط التعليم التابعة للجمعية، بالإضافة للمدارس والمساجد، والمناسبات التي تم فيها تنفيذ ورشات كتابة القصة القصيرة للأطفال
لمياء سليمان. قاصة سورية مقيمة في ألمانيا
اقرأ/ي أيضاً:
سيدات سوريات ينجحن في إقامة وإدارة مشاريعهن في ألمانيا: سأرسم على كل شيء
سيدات سوريات ينجحن في إقامة وإدارة مشاريعهن في ألمانيا.. “ساعي الحب”
“سفر الكورونا”.. ورشة الكتابة للشباب
دعوة للمشاركة في ورشة تدريب على كتابة القصة القصيرة