سامي حسن.
بحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، تبلغ نسبة المقيمين في ألمانيا من أصول مهاجرة أكثر من 16 مليونًا، أي حوالي خمس سكان ألمانيا. من بين هؤلاء هناك من لا يحملون الجنسية الألمانية، ويطلق عليهم اسم الأجانب (Ausländer). ولعل مجرد وجود إحصائية لمن هم من أصول غير ألمانية تشير إلى أن صفة الأجنبي تظل مرافقة لصاحبها حتى ولو بعد مرور نصف قرن على حمله للجنسية الألمانية! فهل يعني ذلك أن ثمة تمييزًا يمارس بحق المواطنين من أصول غير ألمانية؟ أم لا؟ المقاربة الموضوعية لهذه المسألة تقتضي -كما أظن- الإجابة على سؤال أساسي هو: هل حاملو الجنسية في ألمانيا سواء كانوا من سكانها الأصليين أم غير الأصليين، متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات؟ إذا كان الجواب لا، فنحن بالفعل أمام حالة من التمييز والالتفاف على مقولات الديمقراطية والمساواة والمواطنة. أما في حال كان الجواب نعم، فإن الأمر يصبح في أسوأ أحواله مجرد إجراء شكلي.
باستثناء بعض الدول (كندا على سبيل المثال)، تبقى صفة الأجنبي ملاصقة للوافدين إلى أي بلد حتى بعد حصولهم على الجنسية. بل وحتى بعد وصولهم لأعلى المناصب في دولهم، فالرئيس الأمريكي أوباما هو من أصول إفريقية. وهناك أكثر من دولة في أمريكا اللاتينية وصل إليها رؤساء من أصول عربية منهم، على سبيل المثال، رئيس السلفادور أنطونيو السقا ذو الأصل الفلسطيني. وبالأمس القريب فاز بمنصب عمدة لندن صادق خان الذي صارت أصوله الباكستانية حديث وسائل الاعلام وشغلها الشاغل. وفي سوريا التي نعرفها جيدًا. نلاحظ أنه رغم مرور أكثر من قرن على هجرة الأرمن والشركس والتركمان إليها، وحملهم لجنسيتها، فإن سوريتهم واندماجهم وعيشهم، لم تمنع من الإشارة إلى أصولهم القومية. شخصيًا، لا يزعجني لا الآن ولا في المستقبل، أن أعرّف في ألمانيا بـ ” الأجنبي “، بل إن ذلك يروق لي، مثلما يروق لي ولآخرين من الفلسطينيين الذين ولدوا في سوريا وعاشوا فيها، أن يعرفوا بأنهم فلسطينيو سوريا أو سوريون من أصل فلسطيني. مع ذلك، ربما يتفهم المرء الامتعاض من كلمة أجنبي الذي يبديه أولئك الذين مضى عليهم وقت طويل في ألمانيا، وحققوا نجاحات فيها، ويعتبرون أنفسهم ألمانًا، انتماءً وهوية وثقافة و…إلخ. لكن ما لا يمكن تفهمه، ويثير الاستغراب حقا، هو موقف من لا تعجبه ألمانيا، لا من قريب ولا من بعيد، ولا يشعر بأي انتماء للمجتمع الألماني، ولا يريد أن يخطو خطوة باتجاه التعرف على هذا المجتمع والتفاعل معه. فلسان حاله يقول: “أنا لست منكم، ولا أريد أن أصبح منكم، أنا غريب عنكم، أنا أجنبي”. ثم بعد ذلك ينزعج ويغضب، من وصفه بـ ” الأجنبي “!.
معلوم أن ألمانيا شهدت في الآونة الأخيرة تشكل حالات سياسية عنصرية معادية للأجانب كحركة بيغيدا وحزب البديل من أجل ألمانيا (AFD) الذي حصل في انتخابات بعض المقاطعات على نتائج لا يجب الاستهانة بها، تؤشر إلى تنامي في ظاهرة العداء للأجانب. إن جمهور هذه الحركات هو ضحية وعي مشوه، وأوهام بأن المشاكل، لا سيما الاقتصادية منها، إنما هي بسبب اللاجئين والأجانب عمومًا. وبأن حياتهم ستكون أفضل من دون اللاجئين؟. لا شك إن المجتمع الألماني، ليس مثاليًا، حاله حال أي مجتمع آخر. فهو محط نقد الألمان أنفسهم. الأمر الذي يفسر وجود أحزاب سياسة وحركات اجتماعية معارضة للنظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي. لكن الظاهرة التي نتحدث عنها ليست ماركة مسجلة في ألمانيا فحسب. بل وفي العديد من المناطق والدول في هذا العالم. وهي تأخذ أشكالًا مختلفة، منها التعصب القومي والقطري، والنظرة الفوقية لسكان المدن اتجاه سكان الأرياف، وأحيانا لقرية اتجاه قرية مجاورة! إن هذه الظاهرة السلبية وما شابهها، هي من الأمراض الاجتماعية التي ترتبط، بهذا القدر أو ذاك، بمستوى وعي أفراد هذا المجتمع. الأمر الذي ينقلنا إلى الموضوع الشاغل لأصحاب القرار في ألمانيا (الاندماج)، باختصار شديد، لا بد من صياغة استراتيجية للاندماج تبنى على أسس الديمقراطية والمشاركة والتفاعل المتبادل بين جميع مكونات المجتمع الألماني، تشارك فيها الهيئات السياسية والثقافية والإعلامية والتعليمية، وتهدف لوصول الجميع إلى وعي ينظر للإنسان المجرد، بغض النظر عن أصله وفصله ودينه وجنسه ولونه، على أنه القيمة العليا في المجتمع.
هذه مهمة شاقة، وشاقة جدًا. والطريق إلى تحقيقها، ليس مفروشًا بالورد والياسمين، لكن، كما أظن، لا مناص من السير في هذا الطريق.
* كاتب فلسطيني سوري مقيم في مدينة ماينز.