قدمت المفوضية الأوروبية يوم الثلاثاء 7 يونيو/ تموز 2016، خطة جديدة لمواجهة تدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط وخصوصا القادمين من إفريقيا التي جاء منها معظم الذين قاموا برحلة العبور الخطيرة إلى أوروبا في الأسابيع الأخيرة، فيما يشبه استنساخًا للاتفاق مع تركيا.
وهذه الخطة “تقضي باستخدام أموال أوروبية لتشجيع الاستثمار الخاص في الدول التي يأتي منها المهاجرون، وخصوصًا إفريقيا”. بهدف وقف “الأسباب العميقة” للهجرة من خلال تطوير آفاق المستقبل في هذه البلدان عبر تمويل مشاريع عملية وعبر دفع الدول الأصلية إلى المشاركة في السيطرة على تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
ويفترض أن تمهد الأرضية قبل قمة الدول الأعضاء في الاتحاد المقررة في نهاية حزيران/يونيو في بروكسل والتي ينتظر أن تتخذ قرارات جديدة في مواجهة أزمة الهجرة.
وبحسب وجهة نظر خاصة نشرت في دوتشي فيلليه، فإن المفوضية الأوروبية تتبع أسلوب الجزرة والعصا لحل الأزمة، أو بحسب تعبير المفوضية بأسلوب أكثر لباقة إنه “مزيج ذكي” من “محفزات إيجابية وسلبية”.
فقد اعتبرت مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية فدريكا موغريني، وثيقة “الشراكة للهجرة” المعروضة في ستراسبورغ بمثابة “تحول ثوري” في سياسة اللجوء للاتحاد الأوروبي.
ولكن الحقيقة أن ما اعتُبر خطة رائدة ليست إلا اعترافاً بأن سياسة اللجوء المتبعة إلى الآن من قبل الاتحاد الأوروبي لاسيما تجاه إفريقيا قد فشلت، لأنه ليس هناك نقص في المشاريع والمخططات التي تحمل مسميات رنانة مثل عملية الخرطوم أو إعلان فاليتا التي من شأنها وقف تدفق اللاجئين. لكنها للأسف لا تأتي بنتيجة حتى في مهدها.
العصا لا يلوح بها الأوروبيون، بل الحكام المتسلطون في إفريقيا الذين يوظفون أسراب اللاجئين بلا حرج كوسيلة تفاوض. وإلى الآن لم يُفهم في بروكسيل أن “الشركاء” المزعومين في إفريقيا ليس لهم أي اهتمام بوقف هجرة الغالبية من المهاجرين الشباب الذكور، بل العكس: ففي إريتريا تفيد مصادر موثوق بها أن عسكريين كباراً يكسبون المال من وراء تهريب البشر.
والكثير من الصوماليين ونخبة السياسيين الفاسدة تستفيد هناك من تحويلات المقيمين في المهجر. وفي الكثير من المناطق الأخرى يقول الحكام الأفارقة للشباب العاطلين عن العمل ومثيري القلاقل المحتملين بكل سرور “وداعًا”.
الفكرة الثورية المزعومة لتكنوقراطيي الهجرة المعروضة الثلاثاء (7 يونيو/حزيران 2016) -من أجل تقوية التطور الاقتصادي في الدول الأصلية والمعبر للمهاجرين ومن ثم فتح آفاق للناس في عين المكان- هي قديمة مثل مساعدة التنمية في إفريقيا التي فشلت فشلا ذريعا.
ومشين عندما تهدد دول الاتحاد الأوروبي الدول الممتنعة عن التعاون بعقوبات تجارية. أليست سياسة التجارة الأوروبية المسكوت عنها هي أحد الأسباب وراء هجرة مئات الآلاف من المزارعين الأفارقة والصيادين نحو أوروبا.
في حين أن هناك مقترحات مفيدة موجودة على الطاولة: إقامة مراكز للاجئين في شمال إفريقيا وفي الساحل للقضاء على أسس عمل المهربين ووقف الهجرة القاتلة عبر البحر، أو العمل ـ حتى ولو بمحدودية لأنها تخدم نزيف إفريقيا ـ بما يُسمى مبادرة “البطاقة الزرقاء” لجلب مهارات مهنية.
لكن الحقيقة المرة بدون أي مزايدة إنسانية هي أن سياسة لجوء أوروبا هي سياسة لصد اللاجئين. إنه عمل ترقيع مشؤوم ومهين يفضح الشرخ الكبير داخل كيان الدول الأوروبية. وعليه يتم التعامل مع المشكلة بدفع أموال ـ وحتى تلك الأموال لا تُدفع كما يُتفق عليه: ففي صناديق الطوارئ المتفق عليها في نهاية 2015 بقيمة مالية تصل إلى 1.8 مليار يورو لم تدفع الحكومات الـ 28 سوى 80 مليون يورو. ومن أين ستأتي الـ 8 مليارات يورو المعلن عنها الثلاثاء حتى عام 2020، هذا لا تعلمه إلا المفوضية الأوروبية.