رامي العاشق – ليليان بيتان | برلين
أقام سبعة لاجئين سوريين في ألمانيا دعوى قضائية ضد ضباط مخابرات سوريين، يتهمونهم فيها بالمسؤولية عن تعذيبهم أثناء اعتقالهم في سجون المخابرات السورية.
واعتمد السوريون على إمكانية رفع دعوى في ألمانيا ضد المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حتى وإن كانوا غير متمتعين بالجنسية الألمانية، وهكذا، قاموا برفع الدعوى ضد ستة من ضباط المخابرات ذوي المناصب الرفيعة، يحملونهم فيها المسؤولية عن تعذيبهم في أربعة أفرع أمنية تابعة للمخابرات العسكرية في دمشق (فرع 215 ـ فرع المنطقة ـ فرع فلسطين ـ فرع التحقيق). ومن بين الأسماء التي أقيمت الدعوى ضدها: اللواء (محمد محلا) رئيس شعبة الأمن العسكري، (شفيق مصة)، والعميد (حسن دعبول) الذي قتل مؤخرًا في حمص.
قضّية أولى من نوعها
وتقدم بالشكوى إضافة إلى السوريين المعتقلين السابقين السبعة من نساء ورجال تتراوح أعمارهم ما بين 26 و57 عامًا، المحاميان أنور البني ومازن درويش اللذان تعرضا للتعذيب في سجون النظام السوري.
تعتبر هذه الدعوى، هي الأولى من نوعها، إذ لم تتم على أساس ازدواج الجنسية للضحايا، والضحايا هم من السوريين، فالدعاوى التي أقيمت في فرنسا وإسبانيا كانت بالاستناد أن الضحايا يملكون جنسية مزدوجة.
أسماء الضباط المتهمين معروفة
من جانبه “فولفغانغ كاليك” من “المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان”، أحد الأطراف التي ساعدت على رفع الدعوى، قال إن أسماء الضباط المتهمين معروفة، وقد تم تسليمها للمدعي العام الألماني تمهيدا لإصدار قرار اعتقال دولي بحقهم في أي مكان بالعالم، وأضاف: “لا يمكننا فقط التفرج على الفظائع في سوريا، ويجب أن نبدأ في وصف ما يحدث في سوريا بالكلمات والتصنيفات القانونية”.
وقد أشرف على الملف ثلاث مؤسسات وهي المركز الأوربي للدستور وحقوق الإنسان، المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وقد استغرق إعداد الملف ثمانية أشهر.
هاينرش بول تستضيف القائمين على الدعوى
وبمناسبة هذه التحرّك القانوني في ألمانيا، وبالتعاون مع المركز الأوروبي لحقوق الإنسان، أقامت مؤسسة (هاينرش بول) الألمانية التابعة لحزب الخضر المعارض، التي تعتبر أكثر المؤسسات السياسية الألمانية شراسة ضد النظام السوري، أقامت جلسة مطوّلة مؤلفة من ثلاث مراحل، في مقر المؤسسة في برلين يوم الأربعاء 2-3-2017 تحت عنوان: “كيف يمكن تحقيق العدالة – المسؤولية عن الممارسات الوحشية الجماعية في سوريا”.
قائد حزب الخضر الألماني: “هذا التحرّك يصب بشكل رئيس ضد النظام السوري”
افتتحت الجلسة بكلمة قائد حزب الخضر الألماني (تشيم أوتستمير) الذي أوضح في كلمته الافتتاحية أن هذا التحرك يصب بشكل رئيس ضد النظام السوري المسؤول الأول عن الجرائم المرتكبة في سوريا، وأن حزب الخضر الألماني يدفع بشراسة ضد هذا النظام لتحقيق العدالة، وبالتأكيد، حمّل أيضًا المسؤوليّة للجماعات الإسلامية في سوريا ولكن ليس بالقدر ذاته الذي كان من نصيب نظام الأسد.
الندوة الأولى:
شارك في المرحلة الأولى من الجلسة كلّ من: (لوتي لايشت) منظمة هيومان رايتس ووتش-بروكسل، السفير (أندرياس كروغر) مسؤول ملف سوريا، العراق، لبنان في المكتب الخارجي في ألمانيا الاتحادية، (كريس وودي) منظمة آيروارز-لندن، وأدار الجلسة: (فولفغانغ كاليك) المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان-برلين.
لوتي لايشت قالت: “90% من الجرائم ارتكبتها قوات الأسد، حزب الله وروسيا، وفقط 10% ارتكبت من قبل الآخرين”، أما أندرياس كروغر فقد قال: “إن سياسية التعذيب هي من أساس الحمض النووي للنظام السوري” وبدوره كريس وودي أضاف: “إن الحل السياسي صعب الآن، لأن خمسة من دول مجلس الأمن مشاركة بشكل فعلي في الحرب في سوريا”.
الندوة الثانية:
في الجلسة الثانية، التي أدارتها (انتوني نورد) رئيسة مكتب الشرق الأوسط في مؤسسة هاينرش بول-برلين، شارك السوريان: (أنور البني) المحامي والناشط في حقوق الإنسان، و(خالد رواس) المهندس والناشط.
أنور البني، بصوته المخنوق بعض الشيء، الغاضب والصارخ، كان واضحًا وصارمًا منذ البداية: “لا نريد عدالة انتقائية، العالم كلّه متورط في عدالة انتقائية تتناسب مع مصالحه لا مع العدالة بوصفها قيمة بحد ذاتها” وأضاف: “الحديث عن حل سياسي دون الحديث عن العدالة يعني إطلاق أيدي المجرمين، اقتلوا من شئتم، في النهاية ستجلسون إلى طاولة المفاوضات وتتفاهمون!”.
من جانبه، قدّم المهندس خالد روّاس شهادة قوية عن تجربة اعتقاله، وجهها للجمهور بهدوء، وهو يقول لهم: “تخيّل أن يضع أحدهم رأسه لساعات على كتفك، ولاحقًا عندما يحرّكونه، ستكتشف أنه كان ميتًا، تخيل نفسك امرأة يتم تعريتها والتحرش بها واغتصابها، تخّيل أن يجبروك على اغتصاب صديقك، ثم يجبروا صديقك على اغتصابك، هذه قصص حقيقيّة حدثت هناك”. وأضاف: “أنتم تستعملون مصطلحات مثل حرب أهلية، أو صراع، ما يجري في سوريا ليس حربًا أهلية ولا صراعا، إنها ثورة”.
الندوة الثالثة:
في الجلسة الثالثة، التي أدارتها (بنته شيلر) مديرة مكاتب هاينرش بول في الشرق الأوسط – بيروت، شارك كل من: (جيمس رودهافر) المفوضية الدولية المستقلة المتعلقة بالتحقيق في سوريا –جنيف، (مازن درويش) المحامي السوري والناشط في حقوق الإنسان، (ستيفن راب) معهد لاهاي للعدالة الدولية –لاهاي، و(باتريك كروكر) المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان-برلين.
بدأ مازن درويش كلمته بهدوء وثبات: “القضّية الآن لم تعد في تعريف العالم بما يجري في سوريا، ومن هو المجرم، القضية الآن هي العمل من أجل العدالة، العدالة التي تمنع كثيرين من الثأر والتطرف، العدالة التي بدأنا نكفر بها” وأضاف: “منذ أن أعلنّا عن الدعوى، وأنا أستقبل مئات من الرسائل والاتصالات، حالة فرح كبيرة تسود حاليًا، ويعقد السوريون آمالهم على العدالة الآن، والدة الصديق أيهم غزول اتصلت بي ولم نعرف ماذا نقول، ولكننا كنا سعيدين، أيهم، الذي كان سلميًا لدرجة مزعجة، أيهم الرقيق والطبيب، لم نكن نستطيع مواكبة سلميّته، نحن نجونا، لكن أيهم قضى تحت التعذيب”. من جانبه قال باتريك كروكر المشارك في الدعوى: “هذه القضية ليست فقط حول محاكمة أفراد أو جرائم فردية، بل قضية الهيكلية العامة وسياسة التعذيب كلها”. أما جيمس رودهارفر فقد قال: “لدينا قائمة سرية للمجرمين، تم طلبها من قبل سبعة دول في الأمم المتحدة لإقامة قضايا ضدهم، وبالفعل تمت إقامة ثلاث دعاوى وقد نجحت جميعها”.
الامتحان في سوريا
واختتم مازن كلامه: “لن نعود إلى بلداننا ما لم تتحقق العدالة، وأبشر كل الذين يتحدثون عن أزمة اللاجئين، ما لم تتحقق العدالة، هناك عشرة ملايين سوري سيصبحون لاجئين أيضًا، أنا أوكد لكم ذلك” وأضاف: “ما يميّزنا عن الحيوانات، العدالة، هل نحن حقًا ننتمي إلى الإنسانية؟ السؤال لكم، والامتحان في سوريا”.
.