تحالف جمايكا، أو تحالف الحزب المسيحي الديمقراطي بشقيه (ميركل وسيهوفر من بايرن)، حزب الخضر، وحزب الليبراليين الديمقراطيين انتهى بعد انسحاب الأخير من مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي الألماني، مما يعني أن ألمانيا ستعيش شكلاً من أشكال الفراغ السياسي إلى حين.
وتمثل الخلاف الأساسي بعدة نقاط وعدت بها الأحزاب الألمانية المختلفة ناخبيها ولا تستطيع الحياد عنها. حيث لم يرض حزب الخضر الانسحاب عن مطلب فتح باب لم الشمل للاجئين في ألمانيا ولم تنفع المحاولات المختلفة من الفرقاء السياسيين لتقريب وجهات النظر مع الديمقراطيين الليبراليين الذين وعدوا ناخبيهم بعدم فتح باب لم الشمل. إضافةً إلى نقاط خلاف أخرى منها تخزين معلومات المواطنين الألمان والتي عارضها حزب الخضر، ورضخ بعد ذلك إلى تسوية معينة، ونفقة الأطفال (Kindergeld) والتي اُّتفق عليها خلال المرحلة الاولى من المفاوضات.
وفي الصباح التالي للانسحاب بدأ الحديث عن تحالف “كينيا“، وهو التحالف بين الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاشتراكي. لكنه سرعان ما انتهى بتقديم رفض رسمي من الحزب الديمقراطي الاشتراكي بدخول الحكومة وتمسكه بمكانه ضمن المعارضة في البرلمان.
ماذا سيحدث الآن؟
المستشارة أنغيلا ميركل التقت برئيس الجمهورية “فرانك فالتر شتاينماير” الذي يحمل في هذه المرحلة الحرجة أقوى سلاح وأقوى حركة يدعمه الدستور بها وهي حل البرلمان الألماني.
سيقوم الرئيس بدعوة ميركل أولاً لتكون مستشارة وسيتم طلب الثقة من البرلمان. عندما لا تحصل ميركل على الثقة -وهذا مرجح- سيتم مطالبتها بتشكيل حكومة أقليات أي حكومة تسيير أعمال دون القدرة على الحكم بشكل حقيقي لأن البرلمان سيقف عائقاً دائماً أمام الحصول على الموافقات الضرورية لتسيير القرارات والتغييرات التي تودها الحكومة. ميركل وكأقوى رئيس حكومة في العالم حالياً، لن ترغب أن تكون نهايتها السياسية قائمة على حكومة تسيير أعمال لمدة أربع سنوات وعليه يُرجّح أن ترفض تشكيل الحكومة، وعندها وبحسب المادة ٦٣ من الدستور الألماني “القانون الأساسي” سيقوم رئيس الجمهورية بحل البرلمان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة مبكرة، قد تكون قبل عبد الفصح القادم في شهر أبريل/ نيسان من العام القادم، وحتى ذلك التاريخ تبقى ميركل مستشارة لحكومة تسيير أعمال.
ما معنى انتخابات جديدة؟
إن حصلت انتخابات مبكرة سيكون لها تأثير كبير على تغيير مناخ السياسة الألمانية ليس للسنوات الأربعة المقبلة فقط بل لعقدٍ على الأقل، حيث أن صعود الحزب اليميني “البديل من أجل ألمانيا”، قد يدفع العديد من الألمان ممن لم ينتخبوا سابقاً إلى المبادرة والانتخاب لانتشال ألمانيا من مستنقع اليمين المتطرف. وهذا سينعكس بشكل كبير على القادمين الجدد “اللاجئين”، فيما يخص اندماجهم من جهة وطول فترة بقاءهم في ألمانيا من جهةٍ أخرى.
خيارات مختلفة أحلاها مر للاجئين:
إن نتائج الانتخابات ستفضي إلى الحلول التالية:
- فوز الحزب المسيحي الديموقراطي بقيادة ميركل مجدداً بالانتخابات بأفضلية أكبر، ليستطيع من جديد الدخول في حلف مع الخضر أو الحزب الليبرالي لتشكيل حكومة ائتلاف جديد. في حال قامت الحكومة مع حزب الخضر فإن اللاجئين قد يتمتعون بحقوق لم الشمل للعائلات مع تسهيلات أفضل من نواحي العمل، وهو أمرٌ مستبعد الحدوث.
والأكثر احتمالاً هو ائتلاف حاكم بين الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الليبرالي كما في حكومة ٢٠٠٩-٢٠١٣. في هذه الحالة لن يتم تسهيل لمّ الشمل كما يُتوقع تشديد إجراءات اللجوء، وربما مطالبة القادمين الجدد بتقديم فروض أكثر للاندماج ضمن محيطهم الألماني، وهذا سيؤدي لا محالة إما لموجة نزوح معاكسة مع تحسن الاوضاع في سوريا والعراق، أو لتشكيل مجموعات منغلقة على نفسها كما في العديد من المجتمعات التركية والكردية المنتشرة في ألمانيا.
- فوز الحزب المسيحي الديمقراطي بقيادة ميركل مع فوز الحزب الاشتراكي بمقاعد أكثر، وتعويض خسارته السابقة عبر تحريك العديد من قواعده الشعبية والعديد من غير المصوتين والراغبين بخسارة حزب البديل. عندها سيكون مارتن شولتز، رئيس الحزب الاشتراكي، في موقف قوي لبناء ائتلاف حاكم جديد كما في الحكومة الحالية. وفي هذه الحالة ستبقى الأمور بشكل كبير على ماهي عليه بالنسبة للاجئين ولن يكون هنالك أي تغييرات جذرية بالنسبة لمواضيع الاندماج ولم الشمل.
- انقلاب كبير في الموازين (وهو أمر غير محتمل) وفوز الحزب الاشتراكي بغالبية كبيرة من الأصوات، تمكنه من بناء ائتلاف حاكم مع حزب الخضر كما في أيام المستشار غيرهارد شرودر في نهاية التسعينيات، وهذا قد يؤدي لتغيير بسيط بالنسبة للاجئين وخصوصاً بوجود حزب الخضر ضمن الحكومة الألمانية، وقد يحصل اللاجئون على بعض الامتيازات منها لم الشمل لبعض الحالات وليس لجميعها.
- الخيار المستبعد وهو تحالف بين الحزب الاشتراكي مع حزب الليبراليين وفي هذه الحالة لن يتغير الكثير بالنسبة للاجئين ولكن هذا الخيار في حال انتصار الحزب الاشتراكي خيار مستبعد جدا.
في نهاية المطاف فإن النظام السياسي الألماني هو نظامٌ قائمٌ بذاته ولا يعتمد على شخص بعينه، حتى إن الاقتصاد والبورصات الألمانية والأوروبية بشكل عام لم تتأثر بالمناخ السياسي السائد حالياً في ألمانيا، حيث أن سياسة الدولة الألمانية تجاه شركائها الأوروبيين لن تتغير بتغير الحكومات أو الأحزاب أو الأشخاص.
اقرأ أيضاً