د. هاني حرب
نجحت ألمانيا في اختبار اللاجئين ولم تصب بالشلل السياسي. نجحت ألمانيا واستمرت الحكومة بقيادة المستشارة “أنغيلا ميركل” ووزير الداخلية “هورست زيهوفر”. الحزبان المسيحيان الألمانيان استمرا بأخوّتهما على حساب مئات الآلاف من اللاجئين الباحثين عن فرص العيش الرغيدة في ألمانيا!
المضحك المبكي في هذا الجدال كله، الذي كاد أن يؤدي إلى سقوط الحكومة الألمانية ودخول ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام في نفق مظلم من عدم الاستقرار السياسي، أن أعداد اللاجئين في سنة 2017 والذين يتم الحديث عنهم لا يتجاوزون ١٧٠ ألف لاجئ ضمن أوروبا كلها، أي أقل من ٧٠ ألف لاجئ في حال اعتبرنا أن ألمانيا لها نصيب الأسد من هؤلاء اللاجئين أو المهاجرين الجدد.
المشكلة الأكبر، والتي تجلّت خلال “المباحثات” التي جرت مؤخراً، أن وزير الداخلية “زيهوفر” قرّر اتباع سياسة الأطفال، تلك القائمة على الابتعاد أو الانسحاب لتخريب كامل الحكومة، بل تخريب شراكة بين الحزبين المسيحيين الديمقراطي CDU والاجتماعي CSU عمرها أكثر من ٦٠ عاماً لمآرب شخصية بحتة، فقد اعتقد “زيهوفر” أن هذه السياسة هي الأجدى لكسب الناخبين الألمان مجدداً بعد خسارة تاريخية للحزبين المسيحيين في الانتخابات الأخيرة.
قبل عدة أيام، بدأ السيد “زيهوفر” بطرح خطته “الكبيرة” الخاصة باللاجئين، والتي افتتحها بترحيل ٦٩ لاجئاً جلّهم من الأفغان، متبجحاً بأن هذا ما تمّ في عيد ميلاده التاسع والستين أيضاً، ومشيراً إلى أنه لم يطلب هذا العدد بالتحديد من موظفيه في الداخلية الألمانية. بعد أخبار الترحيل تلك وخلال أقل من ٢٤ ساعة وصلت أخبار انتحار مُرَحَّل أفغاني في مركز من مراكز الترحيل، وهو شاب بعمر الخامسة والعشرين كان مقيماً في ألمانيا منذ أكثر من ثمانية أعوام.
سياسة الأطفال تلك التي يتّبعها “زيهوفر” وزير داخلية الحكومة الألمانية الجديدة، ظناً منه أنه يستطيع بذلك ليّ أذرع الأحزاب الألمانية المختلفة الداخلة في الائتلاف الحكومي الألماني، ستؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار الحكومة وإلى انتخابات جديدة، قد يكون حزب البديل في ألمانيا AFDهو المنتصر فيها. فقد ركز الائتلاف الحاكم، وعلى الأخص حزب زيهوفر المسيحي الاجتماعي على اللاجئين رغم تقلّص أعدادهم لأقل من ١٧٠ ألف لاجئ في العام، أي أقل من الحد الأدنى المتفق عليه في دستور الحكومة وهو ٢٠٠ ألف لاجئ في العام، وقد أخطأ السيد “زيهوفر” بالتركيز على سياسات اللجوء متناسياً العديد من الأمور الأساسية والمهمة التي تهمّ المواطن الألماني والتي تديرها وزارته.
وللأسف فإن المنعكسات التي ستطرأ على القادمين الجدد في ألمانيا خلال الفترة القادمة سلبية للغاية، وتتمثل في جوانب عديدة:
أولاً التركيز الشديد لبعض وسائل الإعلام الألمانية، وخصوصاً اليمينية منها، على أخطاء اللاجئين صغيرة كانت أو كبيرة، عامة، أو شخصية أو جنائية لإظهار الوجه السيء للاجئين، وبهذا سيتم إظهار أحقيّة الخطة التي وضعها وزير الداخلية عبر تبرير العديد من الممارسات التي ستتم بحق اللاجئين.
ثانياً سيؤدي كل ذلك إلى إبطاء لمّ الشمل بالنسبة للمهاجرين الجدد بشكل أكبر من ذي قبل، رغم أن لمّ الشمل سيتمّ العمل فيه مجدداً حسب اتفاق الحكومة في شهر آب/أغسطس الحالي. لكن مع وجود الخطة الجديدة من المتوقع وضع العراقيل الشديدة حتى لا يتمكن المهاجرون من لمّ شمل أهاليهم.
ثالثاً، ففي حال استطاع السيد “زيهوفر” الاتفاق مع أسبانيا واليونان وتفعيل الاتفاقات السابقة مع تركيا، فسيتم ترحيل العديد من اللاجئين السوريين والعراقيين دون أدنى مساءلة ولأتفه الأسباب.
رابعاً، ستؤدي هذه السياسات الجديدة إلى حجز العديد من اللاجئين بعد انتهاء مدد إقاماتهم (الحماية المؤقتة) في حال لم يكن لديهم عمل أو تدريب أو دراسة، ضمن معسكرات الترحيل التي تقوم وزارة الداخلية حالياً بتأسيسها، ليصار إلى ترحيلهم نهائياً في الوقت المناسب. والهدف هنا أن يتم تحجيم حركة المهاجرين الجدد ضمن المدن عبر حجزهم في هذه المعسكرات، التي تشابه معسكرات الاعتقال التي تملكها الحكومة الأسترالية على شواطئ استراليا والمخصصة للمهاجرين إليها.
خامساً، فسيزداد الضغط على المهاجرين الجدد عبر سياسيات “الاندماج” الجديدة، لدفعهم للرحيل الطوعي عبر الضغط بشأن اللغة، التدريب المهني، العمل، ومنع الدراسة الجامعية أو التضييق عليها.
للأسف لا حلّ لهذه المشاكل بشكل عام إلا عبر توحيد جهود المهاجرين الجدد، في منظمات تمثلهم وتستطيع التكلم بصوتهم، ومحاربة هذه الإجراءات التي ستكون مع الوقت وبالاً في حال لم يتم التصدي لها، وهذه الآثار السلبية لن تؤثر على المهاجرين الجدد فحسب، بل ستطال جميع المهاجرين وأصحاب الأصول الأجنبية في ألمانيا مع الوقت.
اقرأ أيضاً للكاتب: