الدكتور أندرياس فوسكوله|رئيس المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية
تحول القانون الأساسي لألمانيا من إجراء مؤقت في البداية إلى قصة نجاح وحصانة مستمرة، تتطلع إليها الدول، إنه “سلاحنا في كل الأزمات الراهنة التي يشهدها العالم”، حسب رئيس المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية أندرياس فوسكوله.
القانون الأساسي هو أساس دولتنا الديمقراطية الدستورية. ولم يحظَ أي دستور ألماني سابق بمسار مثل فترة صلاحيته.
كان المقصود من القانون الأساسي في البداية أن يكون إجراءً مؤقتا فقط. وحين صاغ المجلس النيابي هذا الدستور لألمانيا الغربية في العامين 1948 و1949 كانت ألمانيا مقسمة بحكم الأمر الواقع. فمن وجهة نظر أمهات القانون الأساسي وآبائه كان ينبغي أن يكون هذا القانون -مثلما قال المستشار كونراد أديناور- صالحًا فقط لفترة انتقالية، من أجل تجنب الاستمرار في ترسيخ انشطار ألمانيا. ولذلك تم استخدام مصطلح “المجلس النيابي” بدلا من “الجمعية التأسيسية” (المنوط بها إعداد الدستور)، و”القانون الأساسي” بدلا من “الدستور”.
وقد أسقط القانون الأساسي الصفة المؤقتة للقانون الأساسي نهائيا عقب إعادة توحيد ألمانيا عام 1990 على أقصى تقدير. وذلك بعد أن كان قد نجح في كل الاختبارات في السنوات الـ 50 السابقة، ليصبح بذلك قصة نجاح. وقد تغلب على تحديات كثيرة، مثل: إعادة تسليح ألمانيا وإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية واعتماد قوانين الطوارئ. وعلى مر السنين اكتسب القانون الأساسي مكانة رفيعة وحظي باعتراف الشعب وقبوله. المواطنات والمواطنون فخورون بدستورهم. ووفقا لاستبيان أجراه معهد ألينسباخ المختص ببحوث استطلاعات الرأي، فقد أعرب في عام 2014 نحو 90 في المئة من السكان عن ثقتهم “القوية للغاية” أو “القوية إلى حد بعيد” بالقانون الأساسي وبالمحكمة الدستورية الاتحادية باعتبارها “حامية للدستور”.
وحتى في خارج ألمانيا يحظى القانون الأساسي بالاحترام. ويصفه أستاذ القانون الأمريكي بيتر إي كوينت بأنه “إحدى أبرع قصص نجاح الديمقراطية في عالم ما بعد الحرب”. ومن خلال “صادرات القانون الدستوري” شكَّل القانون الأساسي قدوة للعديد من الدساتير الأخرى، على سبيل المثال: في البرتغال وإسبانيا وإستونيا، وكذلك في آسيا وأمريكا الجنوبية أيضًا.
نعيش حاليًا في أوقات عصيبة جدًا، متسائلين عن التطورات التي سيجلبها المستقبل. وقد أصبح العالم مرتبطًا بعضه ببعض بالشبكات المعلوماتية على نحو متزايد، ويتم خلال ذلك الحصول على كميات ضخمة من المعلومات وتقييمها، وبالتالي يتهدد الإنسان أن يصبح شفافًا كالزجاج. كما أن الأسواق المالية -ومعها دول كثيرة- لم تتعافَ تماما من آثار الأزمة المالية بعد. فضلاً عن أن الإرهاب العالمي يمارس ضغوطه على نظامنا الحر، وتنجم عن ذلك قوانين أمنية جديدة تقيد حريات المواطنين. كما أن الاتحاد الأوروبي -الضامن للسلام والازدهار في العقود الأخيرة- لم يعُد بخير، بعد أن باتت بضع الدول الأعضاء في الاتحاد كمن يضرب بفأسه ضد دولة القانون، وبعد أن أمست تكشف عن فهم تشكيكي بالديمقراطية. وأصبح يساور المرءَ انطباعٌ بأن الأزمة أصبحت هي الحالة الدائمة الجديدة. لكن المجتمعات لا يمكنها في وضعية الأزمة أن تعمل وتنجز بشكل دائم.
ولذلك فمن الأهمية بشكل مركزي ممارسة التفكير في “سيادة القانون” كمبدأ أساسي في تعايشنا، وتوخي الحذر من جميع المحاولات المشكِّكة في هذا المبدأ الأساسي. وهنا يأتي القانون الأساسي في المركز. فهو يتمتع بالحداثة وقابلية التأقلم، وبالمرونة والحصانة الدائمة، إذ إنه ليس مجرد “دستور للحالات الجوية الجميلة”. وبهذه الطريقة نكون مُحضرين لمواجهة التحديات المستقبلية.
المصدر: دويتشه فيليه.