قدّم مسرح “Bayer Kultur” في الثاني من ديسمبر-كانون الأول عرضًا مسرحيًا بعنوان “أحاسيس مختلطة” من إخراج الألمانية ساندرا رايتماير، وتمثيل الفنانة الفلسطينية نسرين فاعوري، والفنان البريطاني اليهودي براين ميخايل.
أحساسيس مختلطة، العمل الذي تقول عنه مخرجته إنه حوار صغير ضروري بين واحدة من أنجح الفنانات الفلسطينيات التي اضطرت لدراسة التمثيل في “إسرائيل”، ومنتج مسرحي أوروبي يهودي ولد بعد المحرقة وأمضى معظم حياته في ألمانيا، هذا الحوار مليء بالقصص والمواقف التي تحاكي الصراع المعقد المستمر منذ أكثر من نصف قرن. على هامش العرض، التقت أبواب بالفنانة نسرين فاعور وكان معها الحوار التالي:
من هي نسرين فاعور؟
“نسرين أحمد حمود فاعور، هذا هو اسمي، ودائما أردده بصيغته الرباعية للتعرف على باقي أفراد العائلة في الشتات والمهجر. أتيت من ترشيحا في الجليل الأعلى من فلسطين. وهذا كان العنوان والقضية التي أحملها في جعبتي ومساراتي الحياتية” تقول نسرين.
امتهنت نسرين فنون المسرح وعلم اليوغا والطاقة الكونية، فتشكلت لديها رؤية ونهج مهني تستعين بأدواته في “تطوير الوعي الذاتي للجسد، الدماغ والنفس”. عملتْ في المسرح كممثلة، مخرجة، مرشدة، ومدربة للفنون الأدائية، حصلت على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي من خلال بطولتها في فيلم “أمريكا” إخراج شرين دعيبس، كما ترشحت لجائزة أفضل دور نسائي في الأوسكار للأفلام المستقلة (Spirit Award) في لوس انجلوس عن نفس الدور. شاركت في عدة أفلام أخرى: (في – الشهر التاسع – و – جمر الحكاية) من إخراج علي نصار، (ماريا.. نسرين) إخراج محمد توفيق، (فيلا توما) إخراج سهى عراف، و(عيون الحرامية) إخراج نجوى نجار. كما شاركت في مهرجانات عالمية وعربية، وأيضًا كعضو لجان تحكيم في عدة مهرجانات للسينما العربية.
نسرين فاعور: المبدع يخدم قضيته، ليست القضية هي التي تخدم المبدع
تتحدث نسرين عن مشوارها الفني: “هذا المسار المهني الذاتي لم ينفصل عن واجبي المجتمعي والوطني الفلسطيني، فكنت من المبادرين لانطلاقة الملتقى الفني (بطاقتي – للإبداع والإنتاج الفني) في مدينة بيرزيت. فبعد ترميم مبنى قديم من قبل الطاقم، تم افتتاح مقر الملتقى ليعزز من قيمة الفن والثقافة الفنية في حياتنا الفردية والقومية، وخلق لغة تحاكي الشرائح الحياتية المختلفة في المجتمع الفلسطيني. فواحد من أهدافنا هو التشبيك والوصل بين المبدع والمجتمع الفلسطيني ككل، وأينما وجدنا في الداخل أو الشتات أو مناطق السلطة في محاولة منا لإلغاء كل التجزئات والتسميات التي فصلت المجتمع الفلسطيني بأكمله. قضيتي وهويتي كامرأة وكفلسطينية صبغت وشكلت مساري الحياتي والمهني، ليكون شعاري: المبدع يخدم قضيته، ليست القضية هي التي تخدم المبدع”.
أحاسيس مختلطة، الفكرة والهدف
قبل ست سنوات التقت نسرين ببراين شريكها في “أحاسيس مختلطة” في عرض مشترك بين أكاديمية الفنون في رام الله حيث كانت تعمل وقتها في مسرح القصبة، وتوأمتها جامعة (فولكفانغ) الألمانية للفنون، التي كان براين يترأس قسم الإخراج فيها. تقول نسرين “بواسطة صديق أشار إلينا للعمل مسرحيًا، تشاركنا الأفكار والرؤى المسرحية على الصعيد الفني العام. وبدأنا نبحث عن نصوص مسرحية تجمعنا في محور واحد. ولكن حقائق الواقع لقصصنا الذاتية كانت هي السباقة في اختيارنا للنمط المسرحي المعتمد. فكون براين يهوديًا أوروبيًا، لا ينفصل عن واقعي الذي أعايشه منذ النكبة مع الإسرائيلي المحتل. وهذا ما جُعل محورًا للحوار الذي تمت معالجته مسرحيًا في هذا العمل، مع التشديد على اختلاف اليهودية عن الصهيونية الإسرائيلية”.
تشرح نسرين: “يروي براين تجربته الإنسانية التي عانى فيها من العنصرية واللاساميّة في أوروبا، يروي في المقابل عدم انتمائه لما أحدثه الصهيوني المحتل لفلسطين بعد الكارثه النازية، وحلمه “المزيف” بأرض الميعاد. لأضع في المقابل قصتي الذاتية، لتلغي فرضية المحتل، فللأرض أهلها وليست أرضًا بلا شعب”.
في هذا العمل المسرحي يوثق المتحاوران “الحقائق” بإصرار على المضي قدمًا من أجل “تطوير وعي العالم الغربي” للحالة الإنسانية التي فرضت عليهما ما يعيشان الآن، ومن أجل المساهمة في رفع الظلم والسعي للحرية تقرير المصير، بحسب نسرين.
اختلاف الروايات يمنح العمل حقيقيّةً واقعية
يتصارع المتحاوران مسرحيًا، كل منهما على صدقيّة روايته، كلّ منهما صاحب الأرض، بتفاصيل قد يتّهم مطلقها بمعاداة الساميّة لو لم يكن يهوديًا، مصطلحات كـ “التطهير العرقي” لم تمرّ بسهولة على براين، تعلّق نسرين: “لا مشكلة مع الاختلاف، فهو يخلق حوارًا عميقًا جدًا، لأنه نابع من صدق الحقائق. الفن المسرحي جمع هذا الاختلاف ليخلق واقعًا آخر. هو في الأصل قائم، و”أحاسيس مختلطة” أتاحت الفرصة لهذه الأحاسيس المختلطة أن تكون باختلافاتها. لم يكن من سهلاً أن نسمع الحقائق في بعض الأحيان، ولكن لم نلغِ وجودها”. مخرجة العمل ساندرا رايتماير لها حصة أخرى في هذا الحوار الذي يجمع تفاصيل الحكاية، فهذا طرف آخر للحوار المسرحي والواقعي الذي طرح في العمل. “المسرح هو المنبر الذي أتاح للحدث أن يكون” تقول نسرين وتتابع: “هذه المنظومة التي اتبعت في العرض المسرحي. وعليه كان أساس العمل، اختيرت مقاطع من مسرحية The proposal لتشيخوف تترابط بالقصص الموثقة وبشكل منسجم بتطور الأحداث، وتم استعمالها كإسقاطات تاريخيّة دراميّة في العمل لتمنحه بعدًا مسرحيًا آخر”.
أبواب: لماذا اخترت أن تعملي مع يهودي بريطاني لا مع يهودي إسرائيلي مناصر للفلسطينيين؟
نسرين فاعوري: “لا يمكن أن نقول إن هناك يهوديًا إسرائيليًا مناصرًا للفلسطينيين، وإلا لماذا يسمّى إسرائيليًا؟ بمعنى أنه إذا كان مناصرًا، فلماذ يعزز فكرة الدولة الصهيونية بوجوده هناك”.
أبواب: وماذا عن الذين ولدوا هناك ولا يعرفون مكانًا آخر، ماذا عن ذكرياتهم وناسهم، هل تطلبين منهم المغادرة؟ ألا يمكن أن يكونوا مناصرين لكم؟
نسرين فاعوري: لو كان هناك جواب قاطع في هذا الشأن لكانت كل الأمور قابلة للحل، ليس سهلاً أن نكون منطقيين، ولكنني أقول: لو كانت هذه الدولة دولة حرّة غير عنصريّة دينيًا وقوميًا، ولو كان حقّ العودة موجودًا، سيكون هذا الحل الرومنسي هو الأفضل، ولكن الواقع عكس ذلك.
تكمل نسرين: “شراكتي مع مخرج وممثل يهودي، كانت من حظّي بعض الشيء، لأتمكن من مشاركة قضيّتي والمساهمة في السعي إلى العدالة والحرية لشعب لا ذنب له بما مرّ اليهودي الأوروبي به في زمن النازية، ومن هذا المنطلق، وبعد ست سنوات على انطلاق “أحاسيس مختلطة” أقول إن الفن يستطيع أن يؤثر في الواقع المعاش”
ردود الأفعال
يرافق العرض المسرحي دائمًا جلسة نقاش مع الجمور، ترى نسرين أن ردود الأفعال كانت إيجابية، أثارت تساؤلات عدة مرات، وفي بعض الأحيان جلبت تهديدات، والذي كان غير متوقع، أن هذه التهديدات كانت من نصيب شريكي براين”.
على المستوى الفني، يخرج العمل من تصنيفات المسرح التقليدية، سألنا نسرين عن الرؤية الفنية التي استندت إليها، والمرجعيات الفنية التي دعتها لاستعمال المسرح في هذا السياق لا اليوتيوب مثلا، فأجابت:
“برأيي أن على المسرح أن يخرج من الأنماط والتصنيفات والتقليد. هذه المرحلة تحتاج إلى الجرأة في كسر كل الأنظمة والمعتقدات. هذا ما اتفقت عليه مع فريق العمل. والذي يتمثل بفلسطينية وألمانية ويهودي بريطاني. الملتقى هذا هو المميز، وهو باستطاعته أن يطرح بكل أدواته السردية أو الثمتيلية ما استطعنا نبشه من قصص ذاتية تشكل العرض الذي نقدمه اليوم”. وتابعت: “يمكن بالطبع لعالم التواصل الاجتماعي أن يدعم فكرتنا وانتشارها، ولكن يفقد العمل المواجهه مع الجمهور. من الدهشة الحقيقة التي يخلقها واقع العمل المسرحي عند الجمهور.
مشاريع قادمة
يذكر أن العمل المسرحي “أحاسيس مختلطة” هو جزء من الفرقة المسرحية Leesha production وهو عملها التاني الذي تطور من فكرة أولية قدمت في مهرجان المسرح سيبيو في رومانيا، وقدمت الفرقة الآن لعمل جديد يطرح فكرة الاغتراب والغربة بمشاركة المركز الثقافي في ليفركوزن-ألمانيا.