علا الجاري.
الصحافية اللاجئة التي تعمل مع المركز الأوروبي لحرية الصحافة والإعلام علا الجاري، أجرت مقابلة مع رئيس تحرير مجلة سيدة سوريا محمد ملاّك، حول تدريب نساء وتزويدهن بالأدوات اللازمة ليروين حكاياتهن. المجلة تنشر في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري في سوريا منذ عام 2014.
تركز المجلة على قضايا النساء كجزء من النضال النسائي العالمي، كما تركز على القضايا التي تواجه النساء السوريات اليوم وبينها حقوق النساء والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وأطلقت المجلة مشروع “بوح نسائي” لتدريب النساء والكاتبات غير المحترفات على رواية حكاياتهن ثم نشر هذه الحكايات. هذا المشروع هو موضوع المقابلة التي نشرت بالإنكليزية على موقع المركز الأوروبي وهنا في أبواب ننشر نسختها العربية.
ما هو “بوح نسائي” ولماذا تظنون أنه مشروع مهم؟
محمد ملاّك: خلال السنوات الماضية لم تستطع النساء حمل كاميرا في العلن، بسبب قوات النظام أولاً ثم لاحقًا الجماعات المتطرفة، ولم يكن يمكن للنساء أن يظهرن بوجوههن على التلفاز إلاّ في استثناءات قليلة، كما أجبرت كثيرات على ارتداء الحجاب أو البرقع وتغطية وجوههن بحجة الظروف الأمنية وحمايتهن.
في ظل هذه الظروف فكرنا أن النساء السوريات لسن فقط بحاجة إلى الطعام والشراب ومشاريع العمل اليدوي، بل أنهن أيضًا بحاجة لأن يتكلمن ويخبرن العالم ما هي همومهن كبشر. فكرنا في مشروع “بوح نسائي” لأننا رأينا أن هناك كثيرًا من العقبات ونقصًا في الجهود المبذولة لجعل صوت النساء مسموعًا. “بوح نسائي” يعني أننا أردنا أن تروي كل النساء السوريات حكاياتهن ويعبرن عن مشكلاتهن، تلك المتعلقة بالوضع السياسي أو أي أمر حياتي آخر، كل ما كنّ غير قادرات على الحديث عنه سابقًا، لدواعٍ سياسية أو اجتماعية أو دينية.
ما هي النشاطات التي يتضمنها هذا المشروع؟
المشروع مقسم إلى ثلاثة نشاطات أساسية. النشاط الأول هو تدريب النساء على تقنيات كتابة القصة، فالمشروع يستهدف الكاتبات غير المحترفات، كما تضمن هذا الجزء أيضًا تدريب عدد من النساء على تقنيات الكتابة الصحفية (الأخبار، التقارير، التقارير الإذاعية). رأينا أن التقارير الإذاعية يمكن أن تكون بديلاً عمليًا للتقارير التلفزيونية، فالنساء اللواتي لا يمكنهن إظهار وجوههن على التلفاز يمكن أن يستخدمن أصواتهن مع بعض المعالجة في الراديو. تم التدريب بطريقتين: بشكل شخصي بحضور المتدربات أو عبر تطبيقات الهاتف الذكي.
دربت “سيدة سوريا” 140 امرأة (بينهن 110 داخل سوريا)، خلال عام 2015، ولدينا خطة لتدريب 75 امرأة في عام 2016، ونعتقد أن التدريب كان مفيدًا لهن، فبعض المتدربات يعملن اليوم مع “سيدة سوريا” في مكاتبها بإدلب والحسكة، بينما تعمل أخريات مع مؤسسات إعلامية أخرى، ونحن فخورون بهذا الإنجاز لأننا نعمل في مناطق يسيطر على بعضها جماعات متطرفة، وعندما نمنح النساء صوتًا فإننا نحمي عائلات بأكملها من التطرف. معظم المتدربات أصبحن يكتبن بشكل دائم وتحصل بعضهن على دخل من عملها في الكتابة، كما أنهن يشعرن بأهميتهن وأهمية ما يقمن به عندما يرين أسماءهن على كتاب ساهمن في كتابته، كل هذه العوامل يمكن أن تكون حوافز للنساء كي يتابعن ويكنّ فاعلات في مجتمعاتهن، خاصة في مجال صناعة السلام ومكافحة الإرهاب.
النشاط الثاني كان ورشات تدريبية حول تقنيات كتابة ورواية القصة، أقمنا أول ورشة بالتعاون مع منظمة ABF السويدية في أيار 2015، شاركت في هذه الورشة 19 امرأة هن ناشطات ومؤثرات في مجتمعاتهن ممن عشن أو اختبرن عن قرب أحداثًا أو ظروفًا مميزة، جئن إلى تركيا رغم إغلاق الحدود في حينها وتعرضن لمخاطر عدة حتى تمكنّ من الوصول، وقد عنى هذا لنا الكثير! فهذا يدل أولاً على ثقة النساء بسيدة سوريا وثانيًا أنّهن يرغبن فعلاً في إيصال أصواتهن.
استمرت الورشة أربعة أيام أنتجنا خلالها 17 قصة، نشرت في عدد خاص من المجلة بعنوان “بوح نسائي” صدر في أيلول 2015، طبعنا منه خمسة آلاف نسخة وزعت داخل سوريا وفي مخيمات اللاجئين في دول الجوار وبعض دول الاتحاد الأوروبي كألمانيا والسويد خلال نشاطات شاركت فيها “سيدة سوريا”، كما ضم العدد الخاص 17 عملاً فنيًا ل17 فنانة سورية.
النشاط الثالث هو مسابقة “بوح نسائي”، التي نظمناها في 2015 لكن لم نتمكن حتى اللحظة من تنفيذها في 2016 جراء نقص الدعم المادي. المسابقة كانت مفتوحة أمام كل النساء السوريات والكاتبات غير المحترفات داخل سوريا وخارجها، وتلقينا عشرات النصوص التي قرأتها لجنة تحكيم مكونة من ثلاث كاتبات سوريات، ومنحت المسابقة عشر جوائز قيمة كل منها 500 دولار أمريكي، ثم جمعت القصص العشر الفائزة في كتاب طبعنا منه 3 آلاف نسخة.
فريقكم درب أيضًا نساء سوريات لاجئات في برلين، لماذا اخترتم إجراء هذا النشاط في برلين؟
نسعى في مشروع “بوح نسائي” لأن نرصد التغيرات الطارئة على حياة النساء السوريات، من خلال إعطاء النساء الأدوات اللازمة ليتحدثن عن حياتهن وتجاربهن، كما أننا نريد أن نوضح أن الحرب في سوريا خسارة لكل السوريين خاصة النساء، لذا استهدفنا النساء السوريات في كل سوريا، في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتلك الخارجة عن سيطرته وفي دول اللجوء.
اخترنا برلين لاعتبارات عدة، فبعد أن تغيرت الظروف الأمنية في تركيا مؤخرًا، وتعرض فريقنا كفرق أخرى عاملة في تركيا لتهديدات من قبل داعش، بسبب نشاطاتنا الموجهة ضد التنظيم، انتقل أفراد من فريقنا إلى أوروبا، خاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وشكل الفريق علاقات جيدة في الدول التي استقروا فيها، هذه العلاقات ساعدتنا على تنفيذ جزء من نشاطاتنا في أوروبا خاصة برلين. إضافة إلى ذلك هناك مئات آلاف وربما ملايين السوريين اليوم في أوروبا نعتبرهم جزءًا من جمهورنا ولدينا خطط لمشاريع عدة يمكن أن تساعدهم.
ما هي الأهداف التي أردتم الوصول إليها من التدريب الذي أقمتموه في برلين؟
عندما أقمنا التدريب في برلين كان لدينا هدفان، الأول أن نساعد النساء على الاندماج في المجتمعات الجديدة التي يعشن فيها اليوم، والتي تتيح مستويات مختلفة من الحريات والحقوق للنساء، هذه الاختلافات سببت في بعض الحالات تغييرات في توزيع القوة داخل الأسرة السورية وهذا الأمر انعكس في قصص بعض المشاركات، أما الهدف الثاني فهو محاولة إبقاء الرابط بين اللاجئين والقضية السورية وما يجري في سوريا، في ظل غرق كثيرين منهم بتفاصيل وتعقيدات حياتهم اليومية من معاملات وأوراق وتعلم لغات جديدة، أردنا أن نضمن أن يظل هؤلاء السوريون قادرين على اتخاذ قرارات فيما يخص مستقبل سوريا.
أقمنا ورشتين تدريبيتين في برلين، أقيمت الأولى في حزيران بالتعاون مع منظمة ساشا والتز وضيوفها Sasha Walts & Guests وقد انضمت إلى التدريب صحفيات وناشطات سوريات، كتبت كل منهن قصة، نقوم الآن بتحضيرها ليتم ترجمتها إلى اللغة الألمانية ونشرها في كتاب إلكتروني، وغطت سيدة سوريا نفقات التدريب كاملة في حين تولت منظمة ساشا والتز تأمين مكان التدريب. وأقيمت الورشة الثانية في آب الماضي بالتعاون مع منظمة مراسلين بلا حدود في ألمانيا، حيث تولت سيدة سوريا نفقات التدريب أيضًا وأمنت مراسلون بلا حدود مكان التدريب
كيف كان العمل في تركيا بالنسبة لكم وما هي التحديات التي واجهتموها هناك؟
عملنا في تركيا نحو ثلاث سنوات، لم نواجه خلالها أي مشكلات مع السلطات في تركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا كنا ننتج عملنا باللغة العربية ولم نكن نتوجه للجمهور التركي. بدأت المشكلات منتصف عام 2015 تقريبًا عندما تغيرت الظروف الأمنية في تركيا، حيث وقعت انفجارات عدة وتعرض صحافيون سوريون لتهديدات من قبل داعش تحول بعضها إلى خطر حقيقي وقتل عدد من الصحافيين، ما أخاف الصحافيين السوريين العاملين في تركيا ودفعهم للانتقال إلى أوروبا.
لا أظن أن السلطات التركية تتحمل وحدها مسؤولية تدهور الأوضاع، إذ كانت البلاد كلها تواجه تحديات ومخاطر، ربما لم تكن التدابير الأمنية المتخذة لحماية الصحافيين كافية وربما كان يمكن للسلطات التركية أن تبذل مزيدًا من الجهود لتأمين وسط أكثر أمنًا، لكن بكل الأحوال على صعيد حريتنا الصحافية لم نواجه أي تدخلات.
اختارت سيدة سوريا أن تقلص تواجدها في تركيا، وتبقي على مكتب لها في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، وأن تغير شكل المشروع ليصبح أكثر مرونة وقابلاً لأن يدار من أي مكان في العالم، ونحن متحمسون عمومًا للعمل في أوروبا حيث يتواجد مئات آلاف اللاجئات السوريات، اللواتي يعتبرن جزءًا مهمًا من جمهورنا المستهدف ولدينا الكثير لنقدمه لهن.
عن مجلة سيدة سوريا:
بمساعدة منظمة مراسلون بلا حدود تتعلم النساء اللاجئات تقنيات الكتابة في ورشات عمل ببرلين، وهذا جزء من مشروع تنفذه مجلة سيدة سوريا، وهي مجلة نسائية شهرية بدأت منذ أيلول 2013 وأصدرت عددها الأول في 15 كانون الثاني 2014.
تطبع المجلة سبعة آلاف نسخة شهريًا تنتج وتوزع في سوريا وتركيا، وهي تطبع وتوزع حاليًا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في سوريا (حلب، ريف حلب، ريف إدلب، ريف حماة، درعا)، إضافة إلى مناطق محاصرة من قبل قوات النظام السوري (ريف دمشق منطقة الغوطة الشرقية).
كما يطبع فريق المجلة في تركيا شهريًا ألفي نسخة توزع في مخيمات اللاجئين السوريين، وتنشر المجلة موادها أيضًا عبر موقع إلكتروني وصفحة خاصة على موقع فيسبوك.
تمكنت سيدة سوريا بمساعدة منظمات شريكة من إنشاء سبعة مكاتب داخل سوريا، إضافة إلى تنظيم حملات إعلامية هامة، كحملة “طفلة لا زوجة” ضد الزواج المبكر.
* صحافية سورية لاجئة