رشاد الهندي – هامبورغ
في إطار أمسية غنائية أقامتها الفنانة السورية لينا شاماميان في أكبر مسارح مدينة هامبورغ “كامبناغل – المركز العالمي للفنون الجميلة” ضمن مهرجان الصيف العالمي، حضرها أكثر من 1200 شخصًا من جمهورها أتوا من كافة بقاع أوروبا وحتى الشرق الأوسط خصيصًا لحضور هذه الأمسية، التقت صحيفة أبواب بالفنانة لينا شاماميان، وكان معها الحوار التالي:
– غنيتِ بحب كبير لمدينتك دمشق التي ترعرت بها، أي المدن تشعرك بوجود بيتك فيها؟
في دمشق (الشام)، رغم استقراري في باريس منذ 4 سنوات، إلا أن بيتي لا يزال موجودًا في دمشق، فكما قال محمود درويش: “أنا التائهة أينما اتجهت خطاي، وأنت مثواي الأخير”. فرغم شتاتي وأصولي الأرمنية، إلا أن دمشق كانت ومازالت هي وطني، ربما بسبب إتقاني اللغة، معرفتي بكل تفاصيلها، واحساسي بروائحها التي ولّدت لدي حواس تجذرت مع الزمن. كل هذا أحدث لدي معايير جعلتني أقارن باقي المدن بشكل دائم بها، في باريس أعاني من غربة، وعلى الرغم من نجاحي الفني في باريس وعموم أوروبا فهي تبقى غربة قاسية.
– كيف تعبرين عن اشتياقك لدمشق؟
الطهي، أنا أهوى الطبخ، خاصة الأطباق الشامية والأرمنية، الطعام يخفف كثيرًا من الغربة، تحديدًا في ثقافتنا كسوريين الطعام والتجمع حول المائدة يعد مكونًا رئيسيًا ومهمًا. أما على المستوى الفني فكتابة كلمات الأغاني والموسيقا تخفف كثيرًا من غربتي، من خلالها أستطيع أن أعبر عن وجعنا كسوريين، خاصة موضوع الهجرة، ففي ألبومي القادم هنالك أغنية (مرسى زمان) تتحدث عن الهجرة السورية، هنالك أغنية أخرى تتحدث عن تدمير تدمر كمدينة تاريخية عريقة لا نمتلكها لوحدنا وإنما هي ملكية كل العالم. الكلمات بشكل عام مهمة جدًا بالنسبة إلي وعن طريقها أعبر شخصيًا عما يجول بخاطري بما فيها غربتي واشتياقي للوطن.
– نسبة كبيرة جدًا من السوريين قد تم تهجيرهم، ونحن الآن في ألمانيا أكثر دولة أوروبية يتواجد فيها مهجرون سوريون، كيف تتفاعلين كسورية مع هذا الألم؟ وكيف لك كفنانة أن تخففي منه؟
صباح اليوم قمت بزيارة مركز لجوء كبير في هامبورغ، ما لاحظته أن المركز كبناء بارد حسيًا، بالطبع وضع اللاجئين فيه أفضل بكثير ممن بقوا تحت ويلات الحرب في سوريا، ولكنهم يحملون هموم وتداعيات الحرب معهم إلى هنا، ما أفرحني جدًا هم الأطفال، فهم يتعلمون اللغة الألمانية ومقبلون على الحياة، هذا يعني لي بأن سوريا مستمرة، أسعدني جدًا مرحهم وضحكاتهم، لاحظت بأن سكان المركز من السوريين مازالوا يؤمنون بالحياة، فمثلاً كانوا يسردون مغامراتهم وهجرتهم السرية خاصة عن طريق البحر بطريقة لا تخلو من ابتسامة، فالسوري مميز بسخريته من القدر ومهما حصل يحاول دومًا دون كلل أن يتابع حياته. كفنانة أحاول دومًا أن أكون فعالة بالمجال التطوعي، منذ فترة أحاول أن أعمل على المستوى الموسيقي خاصة مع شريحة اللاجئين، فاليوم في مركز اللجوء استطعت أن أغني مع الأطفال، قمت بتعليمهم السلم الموسيقي، أحاول أيضًا التقريب بين مجتمع اللاجئين والمجتمع المتواجدين فيه، فهذا ضروري جدًا كي تستمر الحياة، وأنا هنا أوجه نداء للمغتربين القدامى بأن يكثفوا من دورهم في هذا المجال ليكونوا صلة الوصل ما بين المجتمعين، وعلينا كسوريين أن نكون أقوياء، ألا نخجل من تقديم ثقافتنا الغنية بمجالاتها المتعددة، هذا سيعزز وجودنا ومدى تقبلنا في المجتمعات المستضيفة.
غربتنا كسوريين لها سلبية فقد بات من الصعب العودة لمن لديه أطفال سيترعرعون ويكبرون هنا، وهم بالأساس فقدوا كل شيء في الوطن، ولكن بنفس الوقت لها إيجابية كبيرة بأننا بدأنا نتعرف على ثقافات مختلفة ومتنوعة سنستفيد منها وفي المقابل نحن ننشر ثقافتنا الغنية.
– اليوم عندما يتم ذكر سوريا فإن هذا مرتبط بالحرب والموت والهجرة، كيف لفنانة سورية مثلك أن تقدم صورة مختلفة عن التنميط المتداول عن بلدها؟
عليك أن تقدم ثقافتك بقوة وليس وجعك فقط، عليك أن تفهم الثقافة الأخرى كي تستطيع التواصل معها، للأسف الإعلام يقوم بتقديم السوري على أنه شخص مسكين جدًا، بالطبع هم ضحايا ولكنهم بنفس الوقت ناجو حرب يبتغون العيش. عليك أن تفهم معايير المجتمع الجديد الذي تعيش فيه وبحسبها أن تقدم أعمالك، كفنانة أحاول أن أقول إننا كسوريين لدينا ثقافتنا التي أقدمها من خلال فني، جمهوري الذي يتفاعل معي بحفلاتي المختلفة، نحن لم نأت إلى هنا خاوي الأيدي، وإنما لدينا في جعبتنا ما يغني ثقافة الآخر أيضًا
– من الملاحظ بأنه من بين المهجرين السوريين هنالك الكثير من المواهب الفنية في شتى المجالات، كفنانة استطاعت شق طريقها بماذا تنصحيهم؟
هنالك كمية لا بأس بها من المواهب السورية الفنية في مجالات الموسيقى، الكتابة، الشعر، الصحافة، الأفلام والأدب بشكل عام، ولكن عليك أن تنميها وتطورها، فالموهبة لا تكفي وحدها، هنالك فهم خاطئ ومحاولة لتقديم السوري بأنه ذاك الشخص المسكين صاحب الوجع لا غير، وهنا من الممكن أن يتم استغلال موهبة سورية في هذا الاطار فقط لأن الممول الأجنبي يريد أن يوظفها ضمن سياق إعلامي معين، فلا يكفي اليوم أن تنشهر على مواقع التواصل الاجتماعي وتقفز إلى المسرح لتقديم موهبتك، أنت مطالب أن تطور موهبتك وتتعب كثيرًا حتى تحصل على نتيجة إيجابية ولا تضيع هذه الموهبة ضمن استغلال “البيزنيس”.
– كيف تصنف الفنانة لينا شاماميان الموسيقا الخاصة بها؟
هي موسيقا مبتكرة، لا أستطيع أن أقول بأنها كلاسيكية، لأن الموسيقا الكلاسيكية لها قواعدها الخاصة، وهذا لا ينطبق على اللون الذي أقدمه، هي خليط من عدة ألوان: كلاسيكي، جاز، شرقي، موسيقا حديثة، متأثرة بالموسيقا السريانية والأرمنية. الموسيقا بالنسبة لي تدوين، هي انعكاس للحياة، وأنا شخص محب جدًا للحياة، ومن خلال الموسيقا أحاول أن أعبر عن نفسي.
– هل هنالك مشروع موسيقي مختلف عما قدمتيه سابقًا؟ وهل سنسمع لينا تغني بغير اللغتين العربية والأرمنية؟
بالطبع، فالألبوم القادم سيقدم موسيقا متأثرة بلون “الإلكترونيك” بالتعاون مع الموسيقي الفرنسي المعروف ذو الأصول الأرمنية أندريه مانوكيان وسأغني باللغات العربية، الأرمنية، السريانية، الفرنسية والإنكليزية. الألبوم يتحدث عن ثقافة بلاد الشام والأناضول كوعاء موسيقي غني انطلقت منه كافة الألوان الموسيقية في العالم، وسيكون موجهًا ليس فقط للجمهور العربي وإنما أيضًا للجمهور الغربي.
– من المعروف عنك أنك تقومين بكتابة كلمات معظم أغانيك وتلحينها وغنائها، بالإضافة إلى ذلك تقومين بانتاجها بشكل مستقل، هل لك أن تخبرينا عن هذه التجربة؟
هي تجربة ليست بالسهلة، بالطبع أرغب بالتعاون مع منتج وممول يكون مؤمنًا بفني ومقتنعًا بعملي واستقلاليتي، وهذا جدًا صعب، أحاول أن أحافظ على استقلاليتي وأن أقدم أعمالي كما أؤمن بها، فالموسيقا التي أقدمها هي ببساطة أنا.
– متى ستقدم لينا شاماميان حفلاً موسيقيًا في مسرح تدمر التاريخي؟
أحلم أن أقدم أمسيات موسيقية بكافة مسارح سوريا، خاصة تلك التي لم يسبق لي وأن قدمت فيها أية حفلات فنية، أتمنى بشدة أن أعود وألتقي بجمهوري هناك لنغني سويًا في ظل سوريا السلام، أرجو أن يكون ذلك قريبًا.