رشا الخضراء. إعلامية سورية مقيمة في ألمانيا
كنا ومازلنا وسنبقى نشحذ همم أبنائنا حول كلمة النجاح، “أدرس لتنجح”، “تعلم مهنة لتنجح”، كما لا تكاد تمر مناسبة سواء في العمل أو الأسرة إلا ويتردد على مسامعنا مآثر تحفيزية مثل “إدفع شريكك للنجاح “، ” النجاح ضمن هذا المجال أو هذا التخصص أضمن”، “أريد أن أرتبط بشخص ناجح”، والكثير الكثير من العناوين والعبر والمقولات التي تدور في سياق ما يسمى التنمية البشرية وورشات العمل التي تقدم لك تقنيات ووصفات النجاح.
ومع تسارع انتشار منصات التواصل الاجتماعي وهيمنتها على جزء كبير من حياتنا، بل واحتلالها لغالب أوقاتنا خاصةً بعد جائحة كورونا والحجر داخل علبنا الإسمنتية، أصبح السعي للنجاح ضرورةً ملحة نظراً لارتفاع منسوب التنافسية والسباق على حصد الإنجازات المؤطرة في نسب “المشاهدات والتريند” على هذه المنصات. ومن حيث لا ندري، تحول هذا السباق لهدف بحد ذاته لتحقيق الرضى عن الذات، أو لزيادة العملاء والتسويق.
فما هو حقاً تعريف مصطلح النجاح في زمن معايير غير الثابتة؟ ومتى تعتبر نفسك ناجحاً؟ وهل يختلف مقياس النجاح وتعريفه من ثقافةٍ إلى أخرى؟
“النجاح هو سعي الإنسان لتحقيق أهدافه، سواء وصل لها أم لا، فإن مجرد السعي والإصرار على المضي قدماً في طريق تحقيق الهدف هو نجاحٌ بحد ذاته” يقول سامر فهد الناشط الاجتماعي ويبلغ من العمر 30 عاماً. الأمر الذي وافقه عليه أيضاً لؤي (35 عاماً): “كلما بذلت مجهوداً لتحقيق ما تريد، اقترب منك ما تريد”. كما وصفته صديقتي الأربعينية (ه .أ) بأنه “الرضى عن نفسك وعما ساهمت به في مجتمعك وحياتك في أي وقت دون النظر لمعايير المجتمع للنجاح”.
برأيي الشخصي، قد يكون لكل إنسان تعريفه الخاص للنجاح بحسب تجاربه، فشخصياتنا تلعب دوراً كبيراً في مفهومنا للأشياء. كما ذكر لي السينارست نور وليد الحجة، أن كسب أي تحدي بغية الفوز، الصبر على المحن وتخطيها، الطموح وتحقيقه كل هذه تعريفات للنجاح بمفهومه العام، ولربما في هذه الأيام تحديداً النجاح هو فن البقاء بأقل الخسائر!
حين سألته هل يمكن اعتبار أنّ النجاح قد تحقق في غياب السلام الداخلي، أجاب أن السلام الداخلي ليس نجاحاً وإنما ضرورة لتحقيق النجاح، وغالباً في عالمنا المعاصر النجاح المادي هو صاحب الكفة الراجحة رغم أن المفهوم ككل هو نسبي صرف.
تقول طبيبة الأسنان مي صالح (45 عاماً)، إن للنجاح معايير تختلف من شخص لآخر، بالنسبة لمي النجاح هو أن يمتلك الفرد القدرة على التأثير الإيجابي في حياته الخاصة كما في محيطه، بحيث تكون نتائج نشاطه اليومي ذات قيمة إيجابية مضافة للفرد والمجتمع المحيط به، وبحيث يصب ارتقاؤه الشخصي بارتقاء المحيط الذي يعيش فيه.
قرأت الكثير من قصص النجاح وانبهرت بالكثير منها، لاسيما ما وثقه وكتبه الصديق بركات عبيد عن نجاح السوريين في ألمانيا كمبادرةٍ منه لاعتبار هؤلاء الأشخاص قدوة لتشجيع الآخرين ولكن ما يستوقفني فعلاً هو القصص التي تروى عن كم العوائق التي يتخطاها الشخص وليس كم الإنجازات التي يحققها!
ومن جهةٍ أخرى، لا أستطيع أن أقارن نجاح رجل أبيض من عائلة ثرية، كان دخوله لعالم الإبداع ميسراً، مع شخص من الشرق الأوسط، بدأ حياته مع أب غير قادر على العمل وإخوةٍ هو المسؤول عنهم، واستطاع أن يؤمن لقمة عيشه وحياة كريمة لوالديه ودرجة علمية أو مهنة ما. مع عدم التقليل من قيمة نجاح الأول، الذي أمكنه أن يختار حياة مريحة دون بذل مجهود يذكر.
كما لا أستطيع مقارنة إنجاز شاب في العشرينيات يمتلك وقته كاملاً، مع إنجاز أم عازبة تتحمل كامل المسؤولية عن حياتها ومستقبل أطفالها. بنفس السياق، لا يمكنني أن أقول إن اختراع دواء معين هو نجاح أكبر من اختراع طريقة لبناء خيم أكثر إحكاماً تصمد تحت وطأة عوامل الطقس المختلفة. بمعنى أن النجاح هو ذو قيمة كبيرة في كل مجال مهما صغر أو كبر!
لربما كان لمرورنا كسوريين بتجربة اللجوء والمعاناة الأثر الكبير في تغيير مفهومنا للنجاح، وقلب دوافعنا لتحقيق ذواتنا الجديدة في أماكن جديدة تحمل من التحديات ما تحمل. بيئةٌ غريبة علينا وضعتنا أمام مرآة حياتية جديدة لاكتشاف أنفسنا من جديد، وفتحت لنا نوافذ جديدة لتحرير طاقاتنا المكبوتة وقدراتنا الكامنة التي نجهلها فينا.
بالنسبة لي النجاح هو مسار وعمل مستمر دؤوب بغية الوصول لمكانة تحددها أنت، أو رغبة خاصة بالإنسان المدرك لذاته، تصقلها الخبرات والمهارات التي تمتلكها أو تسعى لامتلاكها. ربما هو الخطوات التي تخطوها بصبر وجسارة لتحقيق هدفك. السعادة نجاح، إهداء الفرح نجاح، الاكتفاء المادي نجاح، اكتشاف قدراتك نجاح. النجاح سلسلة عمل لا تتوقف وليس قمة جبل تعود منها للهبوط.
وأختم بأجمل ما سمعت عن تعريف النجاح: “أن تشعر أنك في نهاية اليوم أفضل مما كنت عليه في بدايته” كما عبر د. ماهر الخضراء (42 عاماً) شريك مؤسس في شركة “Venture International” للاستشارات والتدريب.
وبهذا السياق لابد من توجيه التهاني لإدارة أبواب ولي ولزملائي على العمل الدؤوب للسنة الخامسة كأول جريدة تصدر باللغة العربية في ألمانيا.