عبير عبد النور. باحثة في المجال الاجتماعي
كنت قد وصلت إلى ألمانيا منذ بضعة أشهر فقط، منطلقةً بسرعة إلى موعد مهم وانظر بهاتفي، وإذ برجل يرتطم بقوة بكتفي لم أكن قد لاحظت اقترابه نحوي بسبب انشغالي، تلفتت بسرعة إليه علّه يعتذر لكنه لم يقل شيئا ًومضى، اعتراني غضبٌ زاد من حدته أنني لا أتكلم الألمانية لأدافع عن نفسي، والسؤال الأول الذي تبادر إلى ذهني هو لماذا فعل ذلك، لمَ لم ينتبه لقدومي، لماذا تقصد الارتطام بي؟
لم أحفظ من شكله سوى وجود إشارة على ثيابه بشكل دائرة صفراء كبيرة بداخلها نقاط سوداء فكرت حينها: ما هذا.. إشارة عنصرية ما؟ جماعة.. منظمة.. ما هذا؟
بعد أيام بحثت في الإنترنت عن معنى الإشارة في محاولة مني لفهم ما كان يفكر به ذاك الرجل وكيف يفكر هذا المجتمع، ولم أجد شيئاً. ولكن بعد فترة وبينما كنت أهم بكبس إشارة المرور، رأيت الإشارة الصفراء ذاتها بثلاث نقط سوداء، نفس الإشارة التي كانت على ثيابه صورتها بسرعة وسألت صديقةً ألمانية عما تعنيه، فأجابت بأنها ترمز للأشخاص ضعاف البصر يضعونها لتحذير الاخرين بأنهم لا يرون بشكل جيد وهناك احتمال لارتطامهم بهم.
وجدتُ نفسي متلبسةً بإعطاء حكمٍ على حادثة اعتبرتها عنصرية من دون أن أفكر بأن هناك شيء لربما لا أعرفه، وكم من الاشخاص حتى الآن وقعوا مثلي بفخ التعميم والصور النمطية.
مازلت أرى تجارب كهذه تحدث مع أناسٍ كثر من حولي، لاسيما في مجال العمل، حيث وللأسف يستخدم البعض أعذار أو تجارب سيئة عاشها غيرهم لتبرير رفضهم في عملٍ ما أو استثنائهم من فرصةٍ ما.
أتفهم ذلك لأنني عشت بنفسي هذا الشعور فنحن نستخدم المصطلحات القوية كالعنصرية عندما لا ننال ما نريد، ورغم أنني لا أستطيع إنكار التجارب السيئة للكثيرين وأعرف أن التهمة الأسهل والأسرع إلى الأذهان هي عنصرية الآخر أو رفضه لنا، إلا أنني أرى أيضاً تجارب للكثيرين ممن أثبتوا قدراتهم ونجحوا في مجالات عمل شتى، لاسيما النساء ممن أعمل معهنّ وأعرف نشاطهنّ وثقتهنّ الكبيرة بقدراتهنّ، استطعن التغلب على المعوقات وفهم المجتمع وقوانينه التي تطبق على الجميع سواء بالسلب أو بالإيجاب.
ولهذا أعتقد أن فهم المجتمع بطريقة محايدة بعيداً عن الأفكار المسبقة تنقذنا من السقوط في “الحجج” التي تضعفنا أمام كل ما نجهله من حولنا. وتجعلنا نبتعد عن التعميم لندرك أن ليس كل المواقف السيئة التي نتعرض لها لاسيما في مجال العمل هي مواقف عنصرية.
اقرأ/ي أيضاً:
ألمانيا.. الوجه الآخر
زاوية حديث سوري: ما يريده الألمان “What German want”