سعاد عباس. رئيسة التحرير
اليوم استشرست نساءٌ ورجالٌ في مصر إثر افتضاح جريمة اغتصابٍ جماعي في فندقٍ في القاهرة ارتكبها قبل أعوام شبانٌ من “علية القوم المتنفذين”، وتبادلوا فيديوهات لفعلتهم مع أصحابٍ لهم، ورغم الضجة التي أثارتها الجريمة مازال مرتكبوها أحراراً حتى تاريخ كتابة هذا المقال، في حين تقبع فتيات شابات في سجون النظام المصري بتهمٍ من قبيل “التعدي على قيم المجتمع والأسرة المصرية أو التحريض على الفسق” لمجرد أنهن تجرأن على الظهور علناً على منصة التيك توك كما شاءت لهنّ حريتهنّ.
اعتقال فتيات التيك توك هو اعتقالٌ سياسي يريد لهنّ أن يكنّ عبرةً للجميع، لأن الحرية هنا هي المقصد من الاعتقال، لا الغيرة على القيم والدين والأسرة المصرية. وحجة تهييج مشاعر الذكور المنفلتين -تحت إمرة ورضا السلطة- حاضرةٌ أبداً، وأد المرأة هو رمزية لوأد أي اختلاف جندري أو هوياتي ووأد لحرية مجتمعٍ بأكمله، لقمعٍ سياسيٍ كهذا يُستخدم سلاح الجوع والكبت وإشغالُ العامة بأكباش المحارق.
تتوالى على وسائل التواصل وعلى المسامع وفي الذاكرة والحكايا المتوارثة قصصٌ مؤلمة لآلافٍ من ضحايا العنف الجنسي، والتي أكثر ما وجدته مذهلاً فيها هو التشابه في تفاصيلها أو خلفياتها، وكأن هذه الاعتداءات تكررت في مجتمعاتنا عبر مئات السنوات دون أدنى رادع وبقيت مسكوتاً عنها دون رد فعل قادر على تخفيف الموت أو العار المرافق حتى الآن، أو إيقاف هذا الإرث عن تشويه أبنائنا. وعدا عن الآثار الجسدية والنفسية المدمرة للضحايا، هناك أيضاً آثار تتجاوز الضحايا الآنيين لتطال النساء عموماً وفكرة الحرية وحقوق الإنسان بحد ذاتها.
نساء مجتمعاتنا مازلن يُقتلن في الشوارع بمباركة السلطات المجتمعية والسياسية والقانونية، ويعنفن على الملأ ويجبرن على الزواج والأمومة والعمل بل والإنفاق على الزوج أحياناً، وفوقها هنّ مطالبات بالصبر والرضى والإنجاب.
أما المعتدي فهو محصّنٌ غالباً بالحمايات والتبريرات؛ من إعذاره بالشهوة التي لا قدرة له على كبحها رغم أن البهائم يمكن كبحها، أو الإتاحة بسبب زي المرأة الضحية أو تواجدها في المكان والزمان الملائمين لهجمته.
أكتب هنا فقط لأعبر عن احترامي وتضامني مع التحرك الحالي على السوشيال ميديا من قبل نشطاء المجتمع المدني في مصر على وجه التحديد ضد التحرش وفضح المتحرشين، والذي أراه حركةً ثورية أكثر مما هو موجة أو ترند أو موضة كما يحاول البعض تسميتها، إما استخفافاً بمقدرتها على الاستمرار زمنياً أو تأثيرها وقدرتها على إحداث تغيير، وإما لقصورٍ عن إدراك غاياتها ومدى انتشارها.
اقرأ/ي أيضاً:
هل المرأة العربية بخير؟ الإجابة من خلال ثلاث حكايات نسوية…
الرجل الشرقي والعنف ضد النساء من المنظور الأوروبي
إذا ضربك فهو يحبك! في سياق مكافحة العنف المنزلي.. الحمل الثقيل الذي سافر معنا